علي سعود المدير العام للمنتدى
الجنس : الابراج : عدد المساهمات : 1570 نقاط : 30719 تاريخ الميلاد : 19/04/1984 تاريخ التسجيل : 15/11/2010 العمر : 40 الموقع : في القلب العمل/الترفيه : خريج كلية الادارة والاقتصاد
| موضوع: حياة السيده زيبنب(عليها السلام)كاملةً الإثنين يوليو 04, 2011 5:22 pm | |
| اسمها:
زينب في اللغة : اسم شجر حسن المنظر طيب الرائحة وبه سميت المرأة أو أن اسم مأخوذ من : زين اب يعني زينة ابيهاوبهذا الاعتبار عبر البعض عنها بأنها عليها السلام زين ابيها كما ان الزهراء عليها السلام ام ابيها وهو تقابل جيد حسن ..
وعليه فلو أخذالحوراء زينب من : زين اب بعد سقوط الالف منها للتخفيف أو لكثرة الاستعمال ،فهو مما يناسبها لأنها كانت بإيمانها وتقواها وعلمها وفضلها زينة وفخراً في التاريخ لابيها أمير المؤمنين عليه السلام بل لأهل البيت عليهم السلام اجمعين .. من اسرار اسم السيده الحوراء زينب عليها السلام أن كل حرف من حروف الهجاءالاربعة لاسم الحوراء زينب يرمز الى عظيم من العظماء ويشير اليه وينبيء عنانها قد ورثت العظمة منهم ، فكانت خير وارث لمحاسنهم والخلف الصالح لهم والدليل الصادق على مآثرهم .
ألقابها القاب السيدة الحوراء زينب عليها السلام : اللقب هو ما يسمى به الانسان بعد اسمه العلم من لفظ يدل على المدح اوالذم ولما كانت هذه السيدة المباركة جامعة لكل الفضائل الحميدة والصفات الخيرة كان البيان عاجزاً والقلم قاصراً عن ذكر قليل من كثير ما اتصفت به سلام الله عليها من الفضائل والمناقب فالمدح في حقها عليها السلام يكون كما قال الشاعر :ألا أن ثوبا خيط من نسج تسعة ... وعشرين حرفاً من معاليه قاصر أهم القابها عليها السلام : المسبيةالزاهدة العابدة الفاضلة العاقلة الكاملة الصابرة الباكية المحدثة المخبرة الموثقة الوحيدة الغريبة البليغة الأسيرة الشجاعة المظلومة أمينةالله عقيلة حيدر ام المصائب عقيلة قريش نائبة الزهراء بطلةكربلاء كعبة الرزايا كعبة الأحزان كافلة الايتام العقيلةالكبرى ولية الله العظمى الصديقة الصغرى الآمرة بالمعروف عقيلة بنيهاشم محبوبة المصطفى قرة عين المرتضى عقيلة خدر الرسالة رضيعة ثديالولاية الغيورة على الدين الخالصة في المودة الممتحنةالصابرة المجاهدة المحتسبة العالمة غير المعلمة الفاهمة غيرالمفهمة شقيقة الحسن المجتبى كاملة اليقين والمعرفة صاحبة النيابةالخاصة الراضية بالقدر والقضاء شريكة الحسين سيد الشهداء
نبذة عن حياتها: ولدت سيدتنا ومولاتنا زينب الكبرى،بنت أمير المؤمنين(ع)، في الخامس من جمادى الأولى في السنة الخامسة من الهجرة.
سمّاها جدّها رسول الله(ص) بهذا الإسم المبارك، ويقال لها زينب الكبرى للتمييز بينها وبين من سمّيت باسمها من أخواتها.وتُلقّب بالصديقة الصغرى للتفريق بينها وبين أمها الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين(ع)، ولها ألقابٌ أخرى كثيرة أهمها لقب: العقيلة.
وزينب(ع) سليلة الدوحة النبوية المباركة، فجدّها رسول الله(ص)،وأبوها(ع) وصي رسول الله(ص)، وأمها سيدة نساء العالمين، وأخواها سيدا شباب أهل الجنة.
وبذلك نشأت هذه الكريمة في حضن النبوة، ودرجت في بيت الرسالة، ورضعت لبان الوحي، فنشأت نشأة قدسية، ورُبّيت تربية روحانية.
كانت(ع) تشبه أباها وأمها(ع) بالعبادة.. فكانت تؤدي النوافل كاملةً في كل أوقاتها، ولم تغفل عن نافلة الليل قط. فكانت من القانتات العابدات، اللواتي وقفن حركاتهن وأنفاسهنّ للباري عزّ وجل.
أما نشاطها الاجتماعي والسياسي، فحدّث ولا حرج، فهي زينب بطلة كربلاء، ومتممة دور أبي عبد الله(ع)، وخطبها في الكوفة والشام، لا تزال تدوِّي مدى الدهر.
زوجها عبد الله بن جعفر، وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، ونشأ وترعرع في حجر عمه أمير المؤمنين(ع) إلى أن زوّجه ابنته زينب(ع)، وكان عبد الله جواداً كريماً يكنّى بأبي محمد، وأبوه هو جعفر الطيار شهيد مؤتة.
توفي عبد الله بالمدينة المنورة سنة 80هـ، وخلف من زينب(ع) أربعة أولاد هم: عون الأكبر، محمد، علي، وأم كلثوم.
وقد استشهد محمد وأخوه عون مع خالهما الحسين(ع) في كربلاء، وأمهما زينب تنظر إليهما.
أجمع المؤرّخون على أنها(ع) سافرت، أولاً، مع أبيها أمير المؤمنين(ع) من المدينة إلى الكوفة، عاصمة حكمه. ثم رجعت مع الحسن(ع) إلى المدينة. وفي عام 60هـ سافرت مع أخيها الحسين(ع) إلى كربلاء، حيث أُخِذت سبيّة مع باقي سبايا أهل البيت(ع) بعد الواقعة، إلى الشام، حيث مكثت أسيرة لمدة رجعت بعدها مع ابن أخيها السجاد(ع) إلى كربلاء، ومنها إلى المدينة.
والرحلة الأخيرة، كانت مع زوجها عبد الله بن جعفر حين جاء إلى دمشق ليتعاهد أمور ملكه في قرية راوية، وفي هذه السفرة توفيت ودُفنت في تلك القرية، التي تُعرف اليوم بمنطقة الست.
إن حياة السيدة زينب (ع) كانت بمثابة إعداد وتهيئة للدور الأكبر الذي ينتظرها في هذه الحياة.
فالسنوات الخمس الأولى من عمرها والتي عايشت فيها جدها المصطفى (ص) وهو يقود معارك الجهاد لتثبيت أركان الإسلام ويتحمل هو وعائلته ظروف العناء والخطر.
والأشهر الثلاثة التي رافقت خلالها أمها الزهراء بعد وفاة الرسول (ص) ورأت أمها تدافع عن مقام الخلافة الشرعي، وتطالب بحقها المصادر وتعترض على ما حصل بعد الرسول من تطورات، وتصارع الحسرات والآلام التي أصابتها.
والفترة الحساسة الخطيرة التي عاصرت فيها حكم أبيها علي وخلافته وما حدث فيها من مشاكل وحروب.
ثم مواكبتها لمحنة أخيها الحسن وما تجرع فيها من غصص وآلام، فكل تلك المعايشة للأحداث والمعاصرة للتطورات.. كانت لإعداد السيدة زينب (ع) لتؤدي امتحانها الصعب ودورها الخطير في نهضة أخيها الحسين (ع) بكربلاء.
وما كان للسيدة زينب (ع) أن تنجح في أداء ذلك الامتحان، وممارسة ذلك الدور، لو لم تمتلك ذلك الرصيد الضخم من تجارب المقاومة والمعاناة، ولو لم يتوفر لها ذلك الرصيد الكبير من البصيرة والوعي.
فواقعة كربلاء تعتبر من أهم الأحداث التي عصفت بالأمة الإسلامية بعد رسول الله (ص).
وكان للسيدة زينب (ع) دور أساسي ورئيسي في هذه الثورة العظيمة، فهي الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد شخصية أخيها الحسين (ع).
كما أنها قادت مسيرة الثورة بعد استشهاد أخيها الحسين (ع) وأكملت ذلك الدور العظيم بكل جدارة.
لقد أظهرت كربلاء جوهر شخصية السيدة زينب (ع)،وكشفت عن عظيم كفاءاتها وملكاتها القيادية، كما أوضحت السيدة زينب للعالم حقيقة ثورة كربلاء، وأبعاد حوادثها..
حينما حدثت الفاجعة الكبرى بمقتل أخيها الحسين (ع) بعد قتل كل رجالات بيتها وأنصارهم خرجت السيدة زينب تعدو نحو ساحة المعركة، تبحث عن جسد أخيها الحسين بين القتلى غير عابئة بالأعداء المدججين بالسلاح، فلما وقفت على جثمان أخيها العزيز الذي مزقته سيوف الحاقدين وهي تراه جثة بلا رأس مقطع إرباً إرباً، فالكل كان يتصور أنها سوف تموت أو تنهار وتبكي وتصرخ أو يغمى عليها، لكن ما حدث هز أعماق الناظرين، فأمام تلك الجموع الشاخصة بأبصارها إليها جعلت تطيل النظر إليه فوضعت يدها تحت جسده الطاهر المقطع وترفعه نحو السماء وهي تدعو بمرارة قائلة (اللهم تقبل منا هذا القربان).
أي كلام تنطق به هذه السيدة، إن كان لا يعدى عدة كلمات إلا أنه كبير وعميق في مغزاه ومحتواه، بهذا الكلام هزت الجيش الأموي، كانت كالعاصفة دمرت الطغاة القتلة أعداء الرسول من الأعماق، فقد كانوا يتصورون عندما ترى السيدة زينب (ع) هذا المشهد المرعب والمريع سوف تضعف وتنهار لكنها كانت صامدة وصابرة ولم تنهار وإنما أعطت الأمة دروساً قيمة في التضحية من أجل العقيدة حينما دعت الله تبارك وتعالى أن يتقبل من هذا البيت الطاهر قربان العقيدة وفداء الإيمان.
مواجهة ابن زياد:
وهناك موقف آخر في الكوفة عندما أدخلوا السبايا على ابن زياد كان يعلم اللعين أن السيدة زينب موجودة مع النساء فأراد إذلالها في مجلسه وأمام الملأ، فالتفت نحوها قائلاً: من هذه الجالسة؟.
فلم تجبه استهانة به واحتقاراً لشأنه، وأعاد السؤال، عندها قامت إحدى السبايا وقالت له: هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله.
عندها انفعل من ترفّع السيدة زينب عن إجابته واندفع يخاطبها غاضباً متشمتاً: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.
هنا برزت السيدة زينب مع أنها كانت تحبذ التسامي والتعالي على مخاطبة ابن زياد، إلا أن الموقف كان يتطلب منها ممارسة دورها الرسالي في الدفاع عن ثورة أخيها الحسين، وأيضاً تمزيق هالة السلطة والقوة التي أحاط بها ابن زياد نفسه لذلك بادرت إلى الرد عليه قائلة:
(الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد (ص) وطهرنا من الرجس تطهيراً إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا يا ابن مرجانة.. ).
لقد هزت كيان ابن زياد بهذا الرد الشجاع القوي مع أنها تمر بأفظع مأساة وأسوأ حال، فأراد ابن زياد أن يتشف بها فقال لها: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟.
لكن العقيلة زينب أفشلت محاولته وانطلقت تجيبه بكل بسالة وصمود:
(ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلاح يومئذٍ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة!! ).
إنه لموقف عظيم لقد تجاوزت السيدة زينب بإرادتها وبصيرتها النافذة كل ما أحاط بها من آلام المأساة ومظاهر قوة العدو الظالم، فقد واجهته بالتحدي وجهاً لوجه أمام أعوانه وجمهوره، معلنة انه لا ينتابها أي شعور بالهزيمة والهوان، فما حدث لأسرتها شيء جميل بالنظر للرسالة التي يحملونها وما حدث هو استجابة لأمر الله تعالى الذي فرض الجهاد ضد الظلم والعدوان، وهي واثقة من أن المعركة قد بدأت ولم تنته.
ثم تختم كلامها بالدعاء بالهلاك للطاغية المتجبر أمامها مخاطبة إياه بقولها: (ثكلتك أمك يا بن مرجانة.. ).
وكان ردها عليه قاسياً شديداً أسقط هيبته الزائفة في أعين الحاضرين جميعاً. كيف لا وهي ابنة علي الكرار (ع)، لا تفر أبداً..
في مجلس يزيد:
أما موقفها في مجلس يزيد بن معاوية فهو من أروع مواقف الدفاع عن الحق والتحدي لجبروت الطغاة والظلم. فيزيد كان أمامهم متربعاً على كرسي ملكه، وفي أوج قوته، وزهو انتصاره الزائف تحف به قيادات جيشه، ورجالات حكمه وزعماء الشام، كما أن أجواء المجلس كانت مهيأة ومعدة ليكون الاجتماع مهرجاناً للاحتفال بقتل أهل البيت.
وكانت السيدة زينب (ع) في ظروف بالغة القسوة والشدة جسدياً ونفسياً فهي ما زالت تعيش تحت تأثير الفاجعة المؤلمة، كما أن هناك أجواء الشماتة والإذلال والتنكيل إلى مالا نهاية، كل ذلك لم يشغل العقيلة زينب عن أداء دورها البطولي أمام هذا الأموي اللعين فعندما سمعت يزيد يترنم بهذه الأبيات:
ليت أشياخي ببدر شهدو جزع الخزرج من وقع الأسل
إلى آخر الأبيات..
وقفت هذه السيدة العظيمة وردت عليه بكل شجاعة وإباء مستصغرة قدره وسلطانه، ومستنكرة فعلته النكراء وقالت:
(الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين صدق الله سبحانه حيث قال: (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون) (الروم: 10).
أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة وأن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك..) إلى آخر الخطبة.
لاشك أن خطبة السيدة زينب (ع) قد فضحت يزيد عليه اللعنة وهي تتكلم بكل فصاحة وطلاقة دون أن ترتعد فرائصها أو ينتابها الرعب أمام هذا الحاكم الظالم وهو محاط بجلاوزته وحاشيته.
ومرغت كبرياءه بالوحل وفضحت مخططاته التي استهدفت الإسلام ووقفت ابنة علي كاللبوة في مجلس الظالمين، إن هذه الكلمات النارية التي رددتها بنت الرسالة أماطت اللثام عن الوجه الحقيقي للأمويين، وكشفت للناس زيفهم وكفرهم، وعرفوا الناس الحقيقة المرة، هنا انعكس الأمر على يزيد وتحول المجلس إلى ساحة محاكمة لجرائمه وفوجئ يزيد بهذا الانقلاب المفاجئ وفقد السيطرة على نفسه ولم يعد يدري كيف يواجه هذا الأمر فكان يتهرب من الموقف بقطع الكلام على السيدة زينب (ع) إلا أنها كانت تسمو أكثر فأكثر..
من خلال تلك المواقف والأحداث تجلت لنا كفاءات السيدة زينب وعظمة شخصيتها، فهي حمت الثورة الحسينية بعد الإمام الحسين وبعدها جاءت لتدلي إلينا بدروسها العظيمة، فدروس خطبها (ع) تعلمتها من جدها وأبيها وأمها وأخويها ومن تطلعها التاريخي.
فكانت نعم الأخت المواسية المساندة لأخيها الحسين (ع) فقد شاركت أخاها في ثورته العظيمة الخالدة، وقادت بعده ركب النهضة المقدسة تلك هي ابنة علي وفاطمة (السيدة زينب (ع)).
حقاً إنها بطلة كربلاء الخالدة..
المصدر: (المرأة العظيمة.. زينب بطولة وجهاد)
أهم خطبها:
خطبة السيدة زينب (ع) في الكوفة
لقد أوضحت ابنة أمير المؤمنين (عليه السلام) للناس خبث ابن زياد ولؤمه في خطبتها، بعد ان أومأت الى ذلك الجمع المتراكم فهدؤوا حتى كانّ على رؤوسهم الطير.
وليس في وسع العدد الكثير ان يسكن ذلك اللغط او يرد تلك الضوضاء لولا الهيبة الالهية والبهاء المحمدي الذي جلل عقيلة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
فيقول الرواي: لما أومأت زينب ابنة علي (عليه السلام) الى الناس فسكنت الأنفاس والأجراس، فعندها اندفعت بخطابها مع طمأنينة نفس، وثبات جاش، وشجاعة حيدرية، فقالت (صلوات الله عليها):
(الحمد لله والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الاخيار، اما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر، أتبكون فلا رقأت الدمعة، ولا هدات الرنة، انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، الا وهل فيكم الا الصلف(43) والنطف(44)، والعجب والكذب والشنف(45)، وملق الاماء(46)، وغمز الأعداء(47)، او كمرعى على دمنة، او كقصة على ملحودة، ألا بئس ما قدمت لكم انفسكم ان سخط الله عليكم، وفي العذاب انتم خالدون.
أتبكون وتنتحبون، اي والله فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها ابداً، وأنى ترحضون، قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة ومدرة حجتكم، ومنار محجتكم، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم. وسيد شباب أهل الجنة الا ساء ما تزرون.
فتعساً ونكساً وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبت الايدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله ورسوله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.
ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟
وأي كريمة له أبرزتم؟
وأي دم له سفكتم؟
وأي حرمة له انتهكتم؟
لقد جئتم شيئاً اداً، تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدّاً!
ولقد أتيتم بها خرقاء، شوهاء كطلاع الأرض، وملء السماء، افعجبتم ان مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة اخزى وهم لا ينصرون، فلا يستخفنكم المهل، فانه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وان ربكم لبالمرصاد)(48).
فقال لها الإمام السجاد (عليه السلام): (اسكتي يا عمة، فأنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة)(49).
فقطعت (العقيلة) الكلام، فأدهشت ذلك الجمع المغمور بالتمويهات والمطامع، واحدث كلامها أيقاظا في الأفئدة ولفتة في البصائر وأخذت خطبتها من القلوب مأخذاً عظيماً وعرفوا عظيم الجناية فلا يدرون ما يصنعون!!
وكما أشرنا ان السيدة زينب (عليها السلام) في الكوفة وفي وسط جماهيرها أومأت الى الناس ان اسكتوا، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس فما هو وجه سكوتهم مع كثرة ازدحام الناس، وشدة ضوضاء الجيش الفاتح ـ بتصورهم ـ وكثرة صخبهم، وما كانوا عليه من التطبيل والتزمير، والهتاف والشعار؟
قد يوجه ذلك بما يلي:
1: انها (عليها السلام) تصرفت فيهم تصرفاً تكوينياً، يعني: اعملت فيهم ما منحها الله تعالى من ولاية تكوينية، وقدرة ربانية، كما تصرف اخوها الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء بذلك في معسكر أهل الكوفة، حين استنصتهم ليعظهم ويتم عليهم الحجة فأبوا ان ينصتوا، واخذوا يثيرون الضوضاء والشغب، فأوما (عليه السلام) إليهم ان اسكتوا واسكنوا، فسكتوا وسكنوا حتى خيولهم ودوابهم، وذلك بتصرف تكويني منه (عليه السلام) فيهم.
2: انها (عليها السلام) ـ كما في التاريخ ـ كانت تفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى ان السامع كان يظن ان المتكلم هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحيث ان أهل الكوفة كانوا قد سمعوا كلام أمير المؤمنين(عليه السلام) وتأثروا بخطبه البليغة أيام كان(عليه السلام) بين ظهرانيهم في الكوفة ثم حرموا منها، ولذلك لما فوجئوا بصوت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقرع مسامعهم اقبلوا على استماعه بكل وجودهم، فارتدت في صدروهم أنفاسهم، وسكنت عن الحركة أجسامهم، ويؤيد ذلك:
التأثير الشديد الذي انطبع به أهل الكوفة من استماع خطبتها (عليها السلام) حتى ان الرواي يقول: واذا بشيخ كبير يبكي ويقول مكرراً: بابي انتم وامي، كهولكم خير الكهول، ونساؤكم خير النساء.
3: انها (عليها السلام) لعظيم بلاغتها، وكبير فصاحتها، وجميل بيانها، وعذب لسانها، استطاعت ان تسخر قلوب أهل الكوفة، وان تشل أبدانهم من الحركة، وأنفاسهم من التردد والخلجان.
وهذا حذلم بن كثير من فصحاء العرب، اخذه العجب من فصاحة زينب (عليها السلام) وبلاغتها، وأخذته الدهشة من براعتها وشجاعتها الأدبية، حتى انه لم يتمكن ان يشبهها الا بأبيها سيد البلغاء والفصحاء، فقال: كانها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين(عليه السلام)(50).
وهذه الخطبة رواها كل من كتب في وقعة الطف او في أحوال الحسين(عليه السلام).
ورواها الجاحظ في كتابه البيان والتبيين عن حزيمة الاسدي قال: ورأيت نساء الكوفة يومئذ قياماً يندبن متهتكات الجيوب.
ورواها ايضاً ابو الفضل احمد بن ابي طاهر طيفور في بلاغات النساء، وابو المؤيد الموفق بن احمد الخوارزمي في الجزء الثاني من كتابه مقتل الحسين (عليه السلام) وشيخ الطائفة في أماليه وغيرهم من أكابر العلماء.
ومن بلاغتها وشجاعتها الادبية: ما ظهر منها (عليها السلام) في مجلس ابن زياد.
قال السيد ابن طاووس وغيره: ان ابن زياد جلس في القصر واذن اذناً عاماً، وجيء برأس الحسين(عليه السلام) فوضع بين يديه، وأدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه(51)، وجاءت زينب ابنة علي (عليه السلام) وجلست متنكرة فسأل ابن زياد من هذه المتنكرة؟ فقيل له: هذه زينب ابنة علي، فأقبل عليها فقال: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب احدوثتكم.
فقالت (عليها السلام): انما يفتضح الفاجر ويكذب الفاسق، هو غيرنا.
فقال: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟
فقالت: ما رأيت الا خيراً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم, وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يا بن مرجانة.
فغضب اللعين وهم ان يضربها، فقال له عمرو بن حريث: انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.
فقال لها ابن زياد (لعنه الله): لقد شفي الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك.
فقالت: لعمري لقد قتلت كهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت اصلي، فان كان هذا شفاؤك فلقد اشتفيت.
فقال لعنه الله: هذه سجاعة، ولعمري لقد كان أبوها سجاعاً شاعراً.
فقالت: يا بن زياد ما للمرأة والسجاعة، وان لي عن السجاعة لشغلاً.
43 - الصلف: بفتحتين الذي يتمدح بما ليس عنده.
44 - والنطف: القذف بالفجور.
45 - الشنف: المبغض بغير حق.
46 - الملق: التذلل
47 - الغمز: الطعن بالشر.
48 - نقلنا الخطبة من امالي الشيخ الطوسي وامالي ابنه واللهوف وابن نما وابن شهر آشوب واحتجاج الطبرسي.
49 - احجاج الطبرسي ص166 ط النجف.
50 - بحار الانوار ج45 ص165 ب39 ح8.
51 - وفي رواية المفيد رحمه الله: فادخل عيال الحسين بن علي(عليه السلام) على ابن زياد فدخلت زينب اخت الحسين في جملتهم متنكرة وعليها ارذل ثيابها، ومضت حتى جلست ناحية وحفت بها إماؤها فقال ابن زياد لعنه الله: من هذه التي انحازت فجلست ناحية معها نساؤها؟ فلم تجبه زينب، فأعد ثانية يسأل عنها، فقالت له بعض امائها: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله، فاقبل عليها ابن زياد فقال لها الحمد لله...
خطبة السيده زينب عليها السلام في مجلس يزيد لعنه الله ردا على طوفان الظلم وتيار الحقد والبغض الذي نصب لآل محمد ومحبيهم
فقد قالت عليها السلام مخاطبة يزيد لعنه الله:: الحمدلله رب العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين صدق الله سبحانه كذلك يقول( ثم كان عاقبة الذين اساءوا السؤ ان كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون) اظننت يايزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى ان بنا على الله هوانا وبك عليه كرامه وان ذلك العظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حيث رأيت الدنيا لك مستوثقه والأمور متسقه وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا؟!! فمهلا مهلا، انسيت قول الله عزوجل ( ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب أليم) ؟؟!! .. أمن العدل ياأبن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن تحدوبهن الأعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهن اهل المناهل والمناقل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي ؟، وكيف ترتجي مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان ثم تقول غير متألم ولا مستعظم لأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يايزيد لا تشل منحنيا على ثنايا ابي عبدالله سيد شباب اهل الجنه تنكتها بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحه واستأصلت الشأفه بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم ، فلتردن وشيكا موردهم ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ماقلت وفعلت مافعلت . اللهم خذ لنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا واحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا فوالله مافريت إلا جلدك وما حززت إلا لحمك ولتردن على رسول الله صلى الله عليه وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ لهم بحقهم (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) وحسبك بالله حاكما وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيما وبجبرائيل ظهيرا، وسيعلم من سوّل لك ومكنك من رقاب المسلمين (بئس للظالمين بدلا) وأيكم (شر مكانا واضعف جندا) ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك واستكثر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى . الأ فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنظف من دمائنا والأفواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفرها أمهات الفراعل، ولئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما حين لا تجد إلا ماقدمت وما ربك بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى وعليه المعول . فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك والله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا ولا يرخص عنك عارها وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي (ألا لعنة الله على الظالمين) فالحمدلله الذي ختم لأولنا بالسعاده والمغفره ولأخرنا بالشهادة والرحمه ونسأل الله ان يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافه إنه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل ..
نسبها أبيها فهو: الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم رسول الله، الإمام الأول لدى الشيعه ومن كبار الصحابة ومن افضلهم مكانه لدى السنه.
أمها الملقبة بسيدة نساء العالمين، الصديقة فاطمة الزهراء بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ولدت لسنتين من المبعث.وقيل لخمس بعد المبعث، وقيل: قبله. وتزوجهاعلي بن أبي طالب بعد الهجرة بسنة واحدة. قاست ما قاست وتحملت من الاذى ما لم تتحمله امراه من النساء
أخويها هما الحسن بن علي والحسين بن علي.. واخويها من غير امها أبا الفضل العباس ومحمد بن الحنفيه
ولادتها روي أن زينب بنت علي بن أبي طالب لما ولدت أخبر بذلك النبي محمد فجاء إلى منزل فاطمة أمها وسمّيت بهذا الاسم على اسم خالتها زينب بنت محمد.
ويروي عن طرق الشيعة أن النبي سماها زينب بناء على وحي من السماء حيث أن جبريل نزل من السماء وأمره أن يسميها زينب.
وهي أول بنت ولدت لفاطمة وكانت ولادتها على أشهر الروايات في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة أو السادسة للهجرة.
أسمهاوألقابها ويقال لها زينب الكبرى، للفرق بينها وبين من سميت باسمها من أخواتها وكنيت بكنيتها. أشهر ألقابها الحوراء, ام المصائب, الغريبة, العالمة غير المعلمة, الطاهرة. وتلقب بالعقيلة، والعقيلة هي المرأة الكريمة على قومها العزيزة في بيتها، ويلقبها الناس وخصوصا المصريون بالطاهرة(أطلق عليها هذا الاسم اخوها الامام الحسن عندما شرحت حديثا نبويا شرحا وافيا واعتذرت عن التقصير ان هي قصرت) وأم هاشم(لأنها كانت كريمة مثل جدها وقد كان دارها مأوى لكل محتاج ولأنها حملت راية الهاشميين بعد استشهاد اخيها) ومن القابها أيضا بالموثقة، والعارفة، والعالمة غير المعلمة، والفهمة غير المفهمة. صاحبة الديوان : لأنها كانت تعقد جلسات للعلم بدارها في مصر كان يحضرها الوالى وكبار رجال الدولة عقيلة بنى هاشم صفة لم تتصف بها سيدة غيرها في آل البيت الأشراف السيدة واذا قيل في مصر السيدة فقط عرفت انها السيدة زينب سيرتها
صورة لمقام السيدة زينب عليها السلام في العاصمة السورية دمشقفي الغالب أن النبي محمد مات ولها من العمر خمس سنوات ولحقت به أمها في نفس العام وعاشت في كنف أبيها في المدينة ثم انتقلت معه إلى الكوفة بعد أن تولى الخلافة.
وشهدت مقتل ابيها حيث تروي الروايات أنه كان عندها قبل وفاته وكانت آخر من زارها في بيتها ثم شهدت موت أخيها الحسن بن علي.
وأشهر مواقفها كانت في معركة كربلاء حيث شهدت مقتل أبناءها جميعا وأبناء أخوتها ثم فجعت بمقتل أخيها العباس بن علي واختتم الأمر بمقتل أخيها الحسين بن علي ومن أشهر ما قالت في المعركة بعد مقتله توجهت إلى جسده وقالت "إلهي تقبل منا هذا القربان".
وحملت بعد ذلك إلى الشام مع نساء أهل البيت وقالت خطبتها الشهيرة أمام مجلس يزيد بن معاوية الخليفة الأموي.
أقوالها وما قيل فيها من أشهر ما وصل عنها خطبتين إحداهما في مجلس عبيد الله بن زياد بالكوفة والأخرى بالشام في مجلس يزيد بن معاوية. أما خطبتها التي قالتها في الكوفة:
قال الراوي : وَ قَدْ أَوْمَأَتْ إِلَى النَّاسِ أَنِ اسْكُتُوا فَارْتَدَّتِ الْأَنْفَاسُ وَ سَكَنَتِ اْلْأَجْرَاسُ ثُمَّ قَالَتْ :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ الصَّلاةُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ الْأَخْيَارِ. أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، يَا أَهْلَ الْخَتْلِ وَ الْغَدْرِ، أَ تَبْكُونَ فَلَا رَقَأَتِ الدَّمْعَةُ، وَ لَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ، أَلَا وَ هَلْ فِيكُمْ إِلَّا الصَّلِفُ [11] وَ النَّطِفُ [12] وَ مَلْقُ الْإِمَاءِ [13]، وَ غَمْزُ الْأَعْدَاءِ [14]، أَوْ كَمَرْعًى عَلَى دِمْنَةٍ [15]، أَوْ كَفِضَّةٍ عَلَى مَلْحُودَةٍ [16]{ أَلَا سَاءَ مَا قَدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَ فِي الْعَذَابِ أَنْتُمْ خَالِدُونَ }
أَتَبْكُونَ وَ تَنْتَحِبُونَ ؟ إِي وَ اللَّهِ فَابْكُوا كَثِيراً وَ اضْحَكُوا قَلِيلًا فَلَقَدْ ذَهَبْتُمْ بِعَارِهَا وَ شَنَآنِهَا وَ لَنْ تَرْحَضُوهَا بِغَسْلٍ بَعْدَهَا أَبَداً، وَ أَنَّى تَرْحَضُونَ قَتْلَ سَلِيلِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مَلَإذِ خِيَرَتِكُمْ وَ مَفْزَعِ نَازِلَتِكُمْ وَ مَنَارِ حُجَّتِكُمْ وَ مَدَرَةِ سُنَّتِكُمْ أَلَا سَاءَ مَا تَزِرُونَ وَ بُعْداً لَكُمْ وَ سُحْقاً فَلَقَدْ خَابَ السَّعْيُ وَ تَبَّتِ الْأَيْدِي وَ خَسِرَتِ الصَّفْقَةُ وَ بُؤْتُمْ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْكُمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ.
وَيْلَكُمْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَيَّ كَبِدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ فَرَيْتُمْ ؟ وَ أَيَّ كَرِيمَةٍ لَهُ أَبْرَزْتُمْ ؟ وَ أَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ ؟ وَ أَيَّ حُرْمَةٍ لَهُ انْتَهَكْتُمْ ؟ لَقَدْ جِئْتُمْ بِهِمْ صَلْعَاءَ عَنْقَاءَ سَوَّآءَ فَقْمَاءَ وَ فِي بَعْضِهَا خَرْقَاءَ شَوْهَاءَ كَطِلَاعِ الْأَرْضِ وَ مُلَاءِ السَّمَاءِ أَفَعَجِبْتُمْ أَنْ قَطَرَتِ السَّمَاءُ دَماً وَ لَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَ أَنْتُمْ لَا تُنْصَرُونَ فَلَا يَسْتَخِفَّنَّكُمُ الْمَهَلُ فَإِنَّهُ لَا تَحْفِزُهُ الْبِدَارُ وَ لَا يُخَافُ فَوْتُ الثَّأْرِ وَ إِنَّ رَبَّكُمْ لَبِالْمِرْصَادِ).
قَالَ الراوي : فَوَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ حَيَارَى يَبْكُونَ وَ قَدْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَ رَأَيْتُ شَيْخاً وَاقِفاً إِلَى جَنْبِي يَبْكِي حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وَ هُوَ يَقُولُ بِأَبِي أَنْتُمْ وَ أُمِّي كُهُولُكُمْ خَيْرُ الْكُهُولِ وَ شَبَابُكُمْ خَيْرُ الشَّبَابِ وَ نِسَاؤُكُمْ خَيْرُ النِّسَاءِ وَ نَسْلُكُمْ خَيْرُ نَسْلٍ لَا يُخْزَى وَ لَا يُبْزَى.[17]
نعم بهذه الخطبة قلبت الرأي العام في الكوفة وكشفت لهم الحقائق وأن المقتول هو فلذة كبد رسول الله صلى الله عليه وآله. فتحول الناس من الفرح والسرور والشماتة إلى الحزن والبكاء والندم على ما حدث.
وأما خطبتها في الشام فهي قَالَ السَّيِّدُ وَ غَيْرُهُ فَقَامَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) فَقَالَتْ :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَ آلِهِ أَجْمَعِينَ صَدَقَ اللَّهُ كَذَلِكَ يَقُولُ ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُوا السُّوأى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُونَ أَ ظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حَيْثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ وَ آفَاقَ السَّمَاءِ فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الْأُسَارَى أَنَّ بِنَا عَلَى اللَّهِ هَوَاناً وَ بِكَ عَلَيْهِ كَرَامَةً وَ أَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ عِنْدَهُ فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَ نَظَرْتَ فِي عِطْفِكَ جَذْلَانَ مَسْرُوراً حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْسِقَةً وَ الْأُمُورَ مُتَّسِقَةً وَ حِينَ صَفَا لَكَ مُلْكُنَا وَ سُلْطَانُنَا مَهْلًا مَهْلًا أَ نَسِيتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى { وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ } أمِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَ إِمَاءَكَ وَ سَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ سَبَايَا ؟
إلى أن قالت لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجَالِهِنَّ وَلِيٌّ وَ لَا مِنْ حُمَاتِهِنَّ حَمِيٌّ وَ كَيْفَ يُرْتَجَى مُرَاقَبَةُ مَنْ لَفَظَ فُوهُ أَكْبَادَ الْأَزْكِيَاءِ وَ نَبَتَ لَحْمُهُ بِدِمَاءِ الشُّهَدَاءِ ؟ وَ كَيْفَ يَسْتَبْطِئُ فِي بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ نَظَرَ إِلَيْنَا بِالشَّنَفِ وَ الشَّنَآنِ وَ الْإِحَنِ وَ الْأَضْغَانِ ؟ ثُمَّ تَقُولُ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ وَ لَا مُسْتَعْظِمٍ :
وَ أَهَلُّوا وَ اسْتَهَلُّوا فَرَحاً ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلُ
مُنْتَحِياً عَلَى ثَنَايَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَنْكُتُهَا بِمِخْصَرَتِكَ، وَ كَيْفَ لَا تَقُولُ ذَلِكَ وَ قَدْ نَكَأْتَ الْقَرْحَةَ وَ اسْتَأْصَلْتَ الشَّافَةَ بِإِرَاقَتِكَ دِمَاءَ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وَ نُجُومِ الْأَرْضِ مِنْ آلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ تَهْتِفُ بِأَشْيَاخِكَ زَعَمْتَ أَنَّكَ تُنَادِيهِمْ فَلَتَرِدَنَّ وَشِيكاً مَوْرِدَهُمْ وَ لَتَوَدَّنَّ أَنَّكَ شَلَلْتَ وَ بَكِمْتَ وَ لَمْ يَكُنْ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ.
اللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا وَ انْتَقِمْ مِنْ ظَالِمِنَا وَ أَحْلِلْ غَضَبَكَ بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا وَ قَتَلَ حُمَاتَنَا، فَوَ اللَّهِ مَا فَرَيْتَ إِلَّا جِلْدَكَ وَ لَا جَزَزْتَ إِلَّا لَحْمَكَ وَ لَتَرِدَنَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ ذُرِّيَّتِهِ وَ انْتَهَكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي عِتْرَتِهِ وَ لُحْمَتِهِ حَيْثُ يَجْمَعُ اللَّهُ شَمْلَهُمْ وَ يَلُمُّ شَعَثَهُمْ وَ يَأْخُذُ بِحَقِّهِمْ { وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } حَسْبُكَ بِاللَّهِ حَاكِماً وَ بِمُحَمَّدٍ خَصِيماً وَ بِجَبْرَئِيلَ ظَهِيراً وَ سَيَعْلَمُ مَنْ سَوَّى لَكَ وَ مَكَّنَكَ مِنْ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا وَ أَيُّكُمْ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً.
وَ لَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّوَاهِي مُخَاطَبَتَكَ إِنِّي لَأَسْتَصْغِرُ قَدْرَكَ وَ أَسْتَعْظِمُ تَقْرِيعَكَ وَ أَسْتَكْبِرُ تَوْبِيخَكَ لَكِنَّ الْعُيُونَ عَبْرَى وَ الصُّدُورَ حَرَّى أَلَا فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ حِزْبِ اللَّهِ النُّجَبَاءِ بِحِزْبِ الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاءِ ؟ فَهَذِهِ الْأَيْدِي تَنْطِفُ مِنْ دِمَائِنَا وَ الْأَفْوَاهُ تَتَحَلَّبُ مِنْ لُحُومِنَا وَ تِلْكَ الْجُثَثُ الطَّوَاهِرُ الزَّوَاكِي تَنْتَابُهَا الْعَوَاسِلُ وَ تَعْفُوهَا أُمَّهَاتُ الْفَرَاعِلِ وَ لَئِنِ اتَّخَذْتَنَا مَغْنَماً لَتَجِدُنَا وَشِيكاً مَغْرَماً حِينَ لَا تَجِدُ إِلَّا مَا قَدَّمْتَ وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فَإِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى وَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ، فَكِدْ كَيْدَكَ وَ اسْعَ سَعْيَكَ وَ نَاصِبْ جُهْدَكَ فَوَ اللَّهِ لَا تَمْحُو ذِكْرَنَا وَ لَا تُمِيتُ وَحْيَنَا وَ لَا تُدْرِكُ أَمَدَنَا وَ لَا تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا وَ هَلْ رَأْيُكَ إِلَّا فَنَدٌ وَ أَيَّامُكَ إِلَّا عَدَدٌ وَ جَمْعُكَ إِلَّا بَدَدٌ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَتَمَ لِأَوَّلِنَا بِالسَّعَادَةِ وَ لِآخِرِنَا بِالشَّهَادَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُكْمِلَ لَهُمُ الثَّوَابَ وَ يُوجِبَ لَهُمُ الْمَزِيدَ وَ يُحْسِنَ عَلَيْنَا الْخِلَافَةَ إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ وَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.
فَقَالَ يَزِيدُ : يَا صَيْحَةً تُحْمَدُ مِنْ صَوَائِحِ مَا أَهْوَنَ الْمَوْتَ عَلَى النَّوَائِحِ
قَالَ ثُمَّ اسْتَشَارَ أَهْلَ الشَّامِ فِيمَا يَصْنَعُ بِهِمْ فَقَالُوا لَا تَتَّخِذْ مِنْ كَلْبِ سَوْءٍ جَرْواً.
فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ انْظُرْ مَا كَانَ الرَّسُولُ يَصْنَعُهُ بِهِمْ فَاصْنَعْهُ بِهِمْ.[20]
هذه الخطبة من أروع الخطب وقد تكلمت بنت علي ببلاغة أبيها وشجاعته وصبره حتى جعلت ذلك الطاغية المتجبر كأنه أحد الجرذان وعرفته قيمته وأصله وفرعه وما قام به من جريمة سودت وجه التاريخ وستبقى وصمة عار عليه وعلى كل من شايعه وتابعه ورضي بفعله وأنه تبع حزب الشيطان.
كما عرفت المقتولين وموقعهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وأنهم حزب الله النجباء.
_______________________________ [11]الصَّلِف : الذي يكثر قول مالا يفعل. وليس له حضوة عند الآخرين.
[12] النَّطَف : التلطخ بالعيب قال الكميت :
فدع ما ليس منك ولست منه هما ردفين من نطف قريب.
وفلان ينطف بسوء : أي يلطخ. وفلان ينطف بفجور : أي يقذف به.
[13] الملق : التذلل.
[14] الغمز : الطعن بالشر.
[15] الدِّمَن : جمع دِمْنة، وهي ما تدمنه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها : أي تلبده في مرابضها، فربما نبت فيها النبات الحسن النضير. انظر النهاية لابن الأثير.
فالدمنة وإن زها ظاهرها بالنبت الحسن إلا أنها لا تفيد الحيوان قوة لأنها مجمع الأوساخ والقذرات فنتاج الدمنة لا يكون طيباً. فأهل الكوفة وإن زها ظاهرهم بالإسلام إلا أن الصدور قد انطوت على قلوب مظلمة لا يصدر منها إلا بما يقوم به أهل الجاهلية والإلحاد. انظر : مقتل المقرم ص 311 الهامش.
17 بحار الأنوار ج : 45 ص : 110
وقال عنها علي زين العابدين بن الحسين ""يا عمة أنت عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة""
[عدل] تاريخ وفاتها ومحل دفنها
ضريح السيدة زينب في القاهرة.
اختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاتها، وان كان الأرجح عند كثير من الباحثين انها توفيت في سنة 62 هـ، لكن ذهب آخرون إلى ان وفاتها سنة 65هـ.
واتفق المؤرخون على ان وفاتها كانت في يوم الخامس عشر من شهر رجب. م).
وذكر الكثير من المؤرخين وسير الاخبار بأنها توفيت ودفنت في دمشق وهذا قول الطائفة الشيعية، أما عند أهل السنة وعلى الكثير من الروايات في القاهرة.
وتشير الروايات إلى ان عبد الله بن جعفر الطيار رحل من المدينة، وانتقل مع السيدة زينب إلى ضيعة كان يمتلكها قرب دمشق في قرية يقال لها (راوية) وقد توفيت السيدة زينب في هذه القرية ودفنت في المرقد المعروف باسمها والمنطقة معروفة الآن ب السيدة زينب وهي من ضواحي دمشق.
أما أدق الروايات فإنه بعد أن أصدر يزيد بن معاوية باستبعادها من المدينة المنورة، رحلت إلى مصر، واستقبلها والي مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري الخزرجي وشعب مصر في أطراف الصحراء في شعبان عام واحد وستين للهجرة واستقبلت استقبال الملوك، ثم أنزلها داره بالحمراء وجعل لها جناحاً خاصاً بها، وجعل لكل يوم من أيامها خصوصيته، فيوم لتعليم أهل مصر أمور دينهم، ويوم تعرض فيه أمور الرعية فتنظر فيها، ويوم لتحفيظ القرآن الكريم، ويوم للحديث، وغيره، فلما حان موعد لقائها بالباري عز وجل، أرسلت لزوجها أن تزوج من أختي أم كلثوم من بعدي، ففعل.
لقيت الله تعالى بعد عام ونصف تقريباً من استشهاد أخيها سيد الشهداء الحسين عليه السلام، وذلك في السابع عشر من شهر رجب المبارك عام اثنان وستون للهجرة ووري جسدها الشريف في حجرتها في دار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى، حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وصلت عليها جموع مصر، وضريحها اليوم داخل مسجد يسمى مسجد السيده زينب يقصده زوارها. سلام الله عليها ورضاه ورضوانه يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث بين يدي الله تعالى. 1 العبد المؤمن 27/05/2010 06:19:20 ص الإبلاغ عن إساءة الاستخدام الطاهرة (زينب بنت علي)
من أقوالها: "من أراد أن يكون الخلق شفعاءه إلى اللَّه فليحمده.. ألم تسمع قولهم: سمع اللَّه لمن حمده.. فخف اللَّه لقدرته عليك! واستحِ منه لقربه منك". لُقبت بالطاهرة لطهارة سريرتها ونسبها، فقد وُلدت فى السنة السادسة للهجرة لأبوين شريفين؛ فأبوها على بن أبى طالب - رضى الله عنه-، وأمها السيدة "فاطمة الزهراء" بنت رسول اللَّه ( -رضى اللَّه عنها- وإخوتها: "الحسن" و"الحسين" و"أم كلثوم" .. إنها السيدة زينب. تزوجت "عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب"، وأنجبت له ستة أولاد، منهم: "علي" و"محمد" و"عون"، و"عباس"، و"أم كلثوم". أدركت السيدة زينب جدها النبي ( فى طفولتها فحملها بين يديه، ونعمت برؤيته المباركة. نشأت فى بيت علم ودين، وشهدت اتساع دولة الإسلام فى عهد جدها عليه الصلاة والسلام، ثم فى عهد "أبى بكر" و"عمر" و"عثمان" وأبيها "علي" -رضوان اللَّه عليهم أجمعين-.
عاشت السيدة "زينب" أحداث الفتن التي وقعت فى صفوف المسلمين، فقد احتضنت أباها حين قُتل، ورحلت مع أخيها "الحسين" إلى الكوفة، وشهدت يوم كربلاء وكان أشد الأيام عليها حزنًا وألمـًا. ففى هذا اليوم -وهو يوم العاشر من شهر المحرم سنة 61 من الهجرة- كانت مع أخيها الحسين تحت الحصار الذي فرضه عليهم "عبيد اللَّه بن زياد" والى الكوفة، وفى أثناء الليل قال لها أخوها "الحسين": يا زينب إنى رأيت رسول اللَّه ( في المنام؛ فقال لي: "إنك تروح إلينا". فاضطربت "زينب" وأدركت أن ذلك يعنى أن الحسين قد حان أجله؛ فقالت: يا ويلتاه. فقال لها "الحسين": ليس لكِ الويل يا أخُيَّة! اسكتى يرحمك اللَّه. فاغرورقت عيناها بالدموع وقالت: واثكلاه؛ ليت الموت أعدمنى الحياة اليوم؛ ماتت "فاطمة" أُمي، و"علي" أبي، و"حسن" أخي، فنظر إليها الحسين بعطف وشفقة وقال: ياأُخية، لايذهبن حلمَكِ الشيطانُ. فقالت "زينب": بأبى أنت وأمى يا أبا عبد اللَّه، جعلت نفسي فداك، فقال: يا أُخية، اتقى اللَّه ،تعزِّى بعزاء اللَّه، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لايبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه اللَّه الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد واحد؛ أبى خير مني، وأمى خير مني، وأخى خير مني، ولى ولهم ولكل مسلم برسول اللَّه ( أسوة. فعزاها بهذا وبمثله، وقال: يا أُُخية، إنى أقسم عليك فأبرِّى قسمي، لا تشقِّى على جيبًا، ولا تخمشى على وجهًا، ولا تدعى على بالويل والثبور إذا أنا هلكت. وبالفعل استشهد الحسين -رضى اللَّه عنه- واستشهد معه ولداها "محمد" و"عون" وآخرون من أهل بيتها. فجعلت "زينب" تنظر إلى جثثهم، وتجمع أشلاءهم يشاركها فى ذلك من بقى معها من النساء والأطفال ودموعها لاتنقطع، وقلبها يكاد ينفطر من شدة الحزن والألم.. وحين أخذوها ومن معها إلى قصر ابن زياد بالكوفة، ومرت على جثة أخيها "الحسين" هاجت أشجانها وأحزانها وأخذت تنادي: "يا محمداه.. يا محمداه، صلى عليك ملائكة السماء، هذا حسين بالعراء، مُزَمَّل بالدماء، مقطع الأعضاء،.. يا محمداه، وبناتك سبايا، وذريتك مقتَّلة". فأبكت كل عدو وصديق.
ولما وصلوا الكوفة، أدخلوا زينب وأهلها على ابن زياد والى الكوفة وقتئذٍ، فلما رآها قال لها: الحمد للَّه الذي فضحكم، كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ فانتفضت قائلة: الحمد للَّه الذي أكرمنا بمحمد ( وطهرنا تطهيرًا، لا كما تقول أنت، وإنما يُفتضح الفاسق ويكذَّب الفاجر، والذين قتلتهم رجال كُتب عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع اللَّه بينك وبينهم فتختصمون عنده. فغضب ابن زياد وأمر بقتل على بن الحسين وكان صبيًا صغيرًا. فأسرعت عمته زينب، واحتضنته وقالت: حسبك يا بن زياد منَّا، أما يكفيك ما رُويت من دمائنا، وهل أبقيت منَّا أحدًا؟ أسألك باللَّه إن كنت مؤمنًا، إن قتلته اقتلنى معه. فقال ابن زياد: عجبًا للرحم ! واللَّه إنى لأظنها ودَّت لو أنى قتلتها معه؛ وصاح: دعوا الغلام مع نسائه.
ثم انطلقت جنود ابن زياد بالسيدة زينب ومن معها إلى دمشق مقر خلافة يزيد بن معاوية، فلما دخلوا على "يزيد" فى قصره، بكت نساء آل هاشم إلا زينب، فقد قالت:صدق اللَّه يايزيد ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون) [الروم:10]. أظننت يا يزيد أنه حين أُخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء فأصبحنا نُساق كما تساق الأساري، أن بنا هوانًا على اللَّه وأن بك عليه كرامة؟ وتوهمت أن هذا لعظيم خطرِك ،فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفيك، جذلان فرحًا حين رأيت الدنيا مستوثقة لك والأمور متسقة عليك؟ إن اللَّه إن أمهلك، فهو قولهوَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران: 178]. واللَّه ما فريت إلا في جلدك، ولا حززت إلا في لحمك! وسترد على رسول اللَّه ( وآله برغمك، ولتجدن عترته ولحمته من حوله في حظيرة القدس يوم يجمع اللَّه شملهم من الشعث (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169]. وستعلم أنت ومن بوَّأك ومكَّنك من رقاب المؤمنين -إذا كان الحكَم ربنا، والخصم جدنا، وجوارحك شاهدة عليك- أيُّنا شر مكانًا وأضعف جندًا. فواللَّه ما اتقيتُ غير اللَّه، وما شكوت إلا للَّه، فكِد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك".
| |
|