شخصيه النبي (ص)في عالم الملكوت

شخصية النبي (ص) في عالم الملكوت.

--------------------------------------------------------------------------------

في الواقع أن الحديث عن النبي الأكرم "ص" لا يمكن الوقوف عليه في جلسة أو جلستين أو كتاب أو كتابين ونحو ذلك خصوصا وقد ورد عن النبي "ص" مخاطبا الإمام أمير المؤمنين "ع" حيث قال لا يعرف الله إلا أنا وأنت ولا يعرفني إلا الله وأنت ولا يعرفك إلا الله وأنا هذا الحديث ورد في كتاب مختصر البصائر ص125.
ومن هنا لا يتوقع الإنسان أنه يستطيع الوقوف على معرفة النبي الأكرم "ص" ولكن كما يقال ما لا يدرك كله لا يترك كله ولا يسقط الميسور بالمعسور ومن باب أنهم من عرفهم فقد عرف الله نحن نحاول في هذا البحث أن نقف على بعض الأبحاث المهمة المرتبطة بشخصية النبي الأكرم "ص" .
في المقدمة يعلم الجميع بأن النبي "ص" هو أفضل الأنبياء والمرسلين وهذه حقيقة يؤكدها القران الكريم بكل وضوح وصراحة فلهذا انتم عندما تأتون إلى القران تجدون الله تعالى يقول " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه " القران الكريم يصدق كل ما جاءت به الكتب السابقة ويزيد عليها ويهيمن عليها ويسيطر عليها وكذلك في قوله تعالى " وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى وبشرى للمسلمين " هذه الآية المباركة يقول الإمام الصادق في ذيلها قال الله لموسى وكتبنا له في الألواح من كل شيء فعلمنا أنه لم يكتب لموسى الشيء كله وقال الله لعيسى لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ولم يقل كل شيء وقال الله لرسوله وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء , إذا من الناحية الظاهرية ومن ناحية البعد التشريعي لا إشكال أن النبي "ص" أفضل الأنبياء والمرسلين .
ولكن الذي أريد أن أقف عليه ليس هو هذا البحث وإنما بحث آخر يرتبط بعالم غير عالمنا لابد أن تعلموا بأننا ننظر إلى الأنبياء والمرسلين وعلى رأسهم الخاتم "ص" من زاويتين :
الزاوية الأولى : زاوية عالم الشهادة وعالم الدنيا وهو العالم الذي يعيش فيه الجميع هذه الزاوية الأولى التي يعبر عنها القران بعالم الشهادة أو بعالم الملك .
الزاوية الثانية : في شخصيات الأنبياء والمرسلين مرتبطة بعالم الغيب وبتعبير القران الكريم مرتبطة بعالم الملكوت لا بعالم الملك وعالم الشهادة فلهذا تجد القران الكريم يقول للحق سبحانه وتعالى "عالم الغيب والشهادة " ذاك العالم الذي يعبر عنه القران بعالم الملكوت " سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون " لا عالم الدنيا وعالم الشهادة وعالم الملك الذي يعبر عنه القران " تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير" فلهذا نحن نقرأ في سورة البقرة " ألم أقل لكم أني أعلم غيب السماوات والأرض" أي أن هذه السماوات والأرض لها شهادة ولها ظاهر ولها غيب ولها باطن ولها ملكوت .
هذه من الحقائق القرآنية نحن في هذه الدقائق نريد أن نقف على شخصية النبي الأكرم "ص" من هذه الزاوية من زاوية عالم الملكوت لا من زاوية عالم الملك من زاوية عالم الغيب لا من زاوية عالم الشهادة والظاهر .
في عالم الظاهر النبي الأعظم بعث آخر الأنبياء هذا واضح ولكنه نريد أن ننظر إلى النبي من الزاوية الأخرى أيضا هو آخر الأنبياء والمرسلين في عالم الملكوت كما كان أخر الأنبياء والمرسلين في عالمنا .
في المقدمة أنا أريد أن أبين هذه النقطة أنه في عالمنا هذا عالم الشهادة عالم الظاهر التقدم والتأخر ليس له مزية يعني قد يكون الإنسان متقدما من حيث الزمان ولكن ليس معناه أنه أفضل من المتأخر وقد يكون الإنسان متأخرا من حيث الزمان ولكن ليس معناه ناقص ولهذا تجدون ادم هو أول الأنبياء زمانا ولكنه ليس هو أفضل الأنبياء رتبة ومكانة لأن ادم ليس من أنبياء أولي العزم بخلاف نوح وإبراهيم وموسى وعيسى هؤلاء وإن كانوا متأخرين زمانا إلا أنهم فوق ادم رتبة ومكانة ونبوة ورسالة فبحسب عالمنا ليس المتقدم زمانا أفضل من المتأخر هذه النقطة الأولى .
النقطة الثانية : أنه بحسب عالمنا أيضا ليس المتقدم واسطة وجود المتأخر أي المتقدم قد يكون متقدما زمانا لكن ليس من الضروري أن يكون سبب وجود المتأخر هذا بحسب عالمنا .
أما عندما تأتي إلى عالم الملكوت إلى عالم الغيب تجد أن المتقدم هو أفضل من المتأخر أولا وهو واسطة وجود المتأخر ثانيا أي ما لم يتحقق وجود المتقدم لا يمكن أن يتحقق وجود المتأخر هذا الذي يعبر عنه في كلمات علمائنا بواسطة الفيض هذا الذي يعبر عنه علماؤنا أنهم بهم ثبتت الأرض والسماء هذا الذي تعبر عنه الروايات لولاهم لساخت الأرض بأهلها هذا الذي يعبر عنه الإمام الصادق "ع" لولا الحجة لما بقي العالم على صلاحه" هذا من قبيل أن العالم الذي نعيش فيه عالم نحتاج فيه إلى الهواء والأكسجين فإذا لم يكن في هذا العلم ماء وأكسجين لا يمكن أن يبقى حي موجود على وجه الأرض نسبة وجود بعض الموجودات إلى عالم الإمكان غيبا وشهادة نسبة الهواء إليك كما أنك لا تبقى حيا بلا هواء كذلك لا يبقى الوجود إلا بالإمام إلا بالحجة وعلى رأسهم الخاتم محمد "ص" .
إذا من خصائص عالم الغيب وعالم الملكوت أن المتقدم أفضل من المتأخر وأن المتقدم هو واسطة وجود وفيض المتأخر .الآن تعالوا معي إلى القران الكريم إلى الروايات لنرى من هو أول مخلوق خلقه الله سبحانه وبواسطته خلق كل شيء ,الروايات في ذلك كثيرة أنا أقف على بعضها :
الرواية الأولى : وردت في كتاب بحار الأنوار المجلد الخامس عشر صفحة مئة وثمانية الحديث الثامن الرواية عن أبي ذر في خبر طويل إلى أن قال: قال: رسول الله قلت يا ملائكة ربي هل تعرفونا حق معرفتنا قالوا يا نبي الله كيف لا نعرفكم وأنتم أول ما خلق الله, خلقكم أشباح نور من نوره في نور من ثناء عزه ومن ثناء ملكه ومن نور وجهه وجعل لكم مقاعدا في ملكوت سلطانه وعرشه على الماء قبل أن تكون السماء مبنية والأرض مدحية ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم رفع العرش إلى السماء السابعة فاستوى على عرشه وانتم أمام عرشه تسبحون وتقدسون وتكبرون ثم خلق الملائكة من بدء ما أراد من أنوار شتى وكنا نمر بكم وأنتم تسبحون وتهللون وتكبرون وتمجدون وتقدسون فنسبح .
إذا الشاهد الأول في الرواية أنهم أول ما خلق الله وهذه إشارة إلى عشرات الروايات الواردة في كتب المسلمين أن أول ما خلق الله نور نبيكم محمد"ص" ثم أشارت الرواية قالت فما أنزل من الله فإليكم ( يعني عن طريقكم ) وما صعد إلى الله فمن عندكم , إذا التفتوا إلى الرواية أنها تشير إلى حقيقتين الأولى أنهم أول ما خلق الله سبحانه والثانية أن كل شيء في هذا الوجود لا بد وأن يمر من خلال وجود الخاتم "ص" وأوصيائه , وبتعبير فني هم العلة الفاعلة وهم العلة الغائية بكم بدأ الله وبكم يختم .
الرواية الثانية : عن أنس عن النبي "ص" قال :قال رسول الله "ص" : إن الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الله ادم --- أنا أبين لك نكتة (خلق ادم مرتبط بنشأة عالم الدنيا ونحن نتكلم عن عالم الملكوت إذا عندما يقول قبل خلق ادم المراد الخلق المادي الذي هو مرتبط بعالم الدنيا )---, فقال قبل خلق ادم حين لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار فقال العباس فكيف كان بدء خلقكم يا رسول الله فقال يا عم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة فخلق منها نورا ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحا ثم مزج النور بالروح فخلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين إلى أن يقول فلما أراد الله تعالى أن ينشأ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش ""إذا العرش مخلوق من نور الخاتم "ص"" فيقول ثم فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري ونوري من نور الله سبحانه وتعالى .
ولأن في هذه الأسطر لا أستطيع الوقوف على معرفة العرش ولو أردتم أن تعرفوا قيمة العرش فقط اذكر لكم هذه الرواية عن الصادق عليه السلام عن أبي ذر قال يا رسول الله ما أفضل ما أنزل إليك قال "ص" آية الكرسي ثم قال ما السماوات السبع و الأرضون السبع في الكرسي إلا كحلقة ملاقاة في أرض فلاة ثم قال وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة ثم أن هذا العرش من نور الخاتم "ص" .
وفي رواية جابر الأنصاري قال قلت لرسول الله "ص" أول شيء خلقه الله تعالى ما هو فقال نور نبيك يا جابر ثم خلق منه كل خير , هذه الرواية التي يعبر عنها السيد الطبطبائي في الميزان الجزء الأول صفحة 121 يقول استفاضت الروايات بأن أول شيء خلقه الله هو نور الخاتم "ص" ثم خلق منه كل خير , هذه الرواية أيضا تشير إلى أنه"ص" أول مخلوق وأن كل شيء خلق بتوسط الخاتم محمد"ص" .
ومن هنا تجدون الإمام الرضا عليه السلام في رواية ينقلها الفيض الكاشاني في كتاب نوادر الأخبار صفحة 30 الرواية عن الرضا عن أمير المؤمنين قال: قال: رسول لله"ص" ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني قال علي "ع" فقلت يا رسول الله أنت أفضل أما جبرائيل فقال رسول الله يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبيائه على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ثم قال يا علي والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك وأن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا ثم قال يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بربهم وبولايتنا أهل البيت .
إلى هنا اتضح لنا أن أول شيء خلقه الله تعالى هو الخاتم "ص" .
لسائل أن يسأل هل يمكن إثبات هذه الحقيقة من القران الكريم أو لا يمكن .
تعالوا معي إلى القران الكريم لتروا أن القران هو الناطق بهذه الحقيقة قبل الروايات الواردة عن النبي والأئمة .
في القران الكريم ثلاث آيات التفت إليها :
الآية الأولى "في سورة الأنعام الآية 163 " قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين "
الآية الثانية :في سورة الزمر آية 12 "قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين "
الآية الثالثة: في سورة الأنعام آية 14 "قل إني أمرت أن أكون أول أسلم ولا تكونن من المشركين " .
هذه الآيات الثلاث بالنسبة للخاتم ولم يرد في القران آية عبرت عن نبي أنه أول من أسلم إلا الخاتم "ص" فلهذا أنتم عندما ترجعون إلى الآيات الأخرى عندما يتكلم عن موسى وعيسى وإبراهيم وإسماعيل أو عن أي نبي يقول هو من المسلمين لا أول المسلمين .
انظر إلى هذه الآية يقول على لسان نوح " وأمرت أن أكون من المسلمين ويقول عن لسان إبراهيم أسلمت لرب العالمين "وهكذا بقية الأنبياء .
ويأتي التساؤل ما هذه الأولوية التي اختص بها النبي "ص" دون غيره , الجواب تجده في رواية رواها الإمام الصادق أن بعض قريش قالت لرسول الله"ص" بأي شيء سبقت الأنبياء وفضلت عليهم وأنت بعثت أخرهم وخاتمهم قال إني كنت أول من اقر بربي جل جلاله وأول من أجاب حين اخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى فكنت أول نبي قال بلى فسبقتهم إلى الإقرار بالله عز وجل .
إذا يتضح من هذا ليس جزافا أن يقال إن النبي أول مخلوق لأنه أول من اقر لله بالربوبية.
ومن هنا يتضح لك عندما قال النبي كنت نبيا وادم بين الماء والطين ويتضح معنى كنت وصيا وادم بين الروح الجسد
يتضح أن هذه النبوة مرتبطة بعالم الملكوت لا بعالمنا .
ولعلك تقول هل يوجد رواية تؤكد هذا المعنى نعم فعن المفضل عن الصادق عليه السلام قال لي يا مفضل أما علمت أن الله تعالى بعث رسول الله وهو روح إلى الأنبياء وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام .أقول وهذا معنى كنت نبيا وادم بين الماء والطين , ثم قال يا مفضل أما علمت أن النبي دعاهم إلى توحيد الله وطاعته وإتباع أمره وواعدهم الجنة على ذلك وواعد من خالف ما أجابوا إليه النار .
ومن هنا أيضا يتضح لك معنى قول أمير المؤمنين وسيد الموحدين ولقد صدقته وادم بين الروح والجسد لأن أول مصدق والصديق الأكبر هو علي عليه السلام وهذا ليس أول تصديق من علي للنبي بل هذا ثاني تصديق لأن الأصبغ ابن نباته يقول قال أمير المؤمنين ألا إني عبد الله وأخو رسوله وصدّيقه الأول قد صدّقته وادم بين الروح والجسد ثم إني صدّيقه الأول حقا _إذا هو صدّق رسول الله في مرتبتين من الوجود الأولى مرتبطة بعالم الغيب والملكوت والثانية مرتبطة بعالم الشهادة _ ثم قال الإمام ونحن الأولون ونحن الآخرون . أقول كل ما يملك الإمام هو من فيض الخاتم "ص" لذلك عندما يسأله اليهودي أنت أفضل أم محمد فقال الإمام ثكلتك أمك ويلك أنا عبد من عبيد محمد .
فالإمام لما قال نحن الأولون ونحن الآخرون يقصد نحن الأولون وجودا ونحن الآخرون ظهورا أي وجدنا أولا لكن ظهرنا في عالمكم آخرا فلذلك عندما يقول الإمام أنا الأول وأنا الآخر لا تستغرب .
هذا المعنى ورد في كتاب الجامع الصغير الجزء الثاني الحديث 6423 ورد ما مضمونه أن النبي قال أنا الأول وجودا والآخر بعثة .
ومن هنا تتضح معالم جملة من الروايات التي وردت بهذا المضمون :
الرواية الأولى : بحار الأنوار الجزء العاشر صفحة28 عن علي "ما أعطى الله عز وجل نبيا درجة ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد"ص" وزاد محمدا على الأنبياء أضعافا مضاعفة .
الرواية الثانية : بحار الأنوار الجزء الثامن عشر صفحة 382 عن النبي "ص" أنه قال " لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان .وهذا واضح لماذا له مع الله وقت لأنه ليلة المعراج لما بلغ إلى سدرة المنتهى فانتهى إلى الحجب فقال جبرائيل تقدم يا رسول الله ليس لي أن أجوز هذا المكان فلو دنوت قيد أنملة لحترقت .
إلى هنا الخص حديثي وهو أنه إذا أردنا أن ننظر إلى النبي من زاوية عالم الشهادة فهو أفضل الأنبياء والمرسلين وأخرهم وخاتمهم .أما إذا نظرنا إليه من زاوية عالم الملكوت فهو الأول وجودا وخلقا وبواسطته وجد كل شيء وهذا هو المعنى الذي نقوله في النبي وأهل بيته أنهم وسائط بين الخالق والمخلوق هذه واسطة الوجود, بهم خلق الله كل شيء .
بكم بدأ وبكم يختم ندعوا الله تعالى أن يعرفنا النبي الأعظم وأئمة أهل البيت عليهم السلام وأن لا يفرق بيننا وبينهم طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة .
__________________