الجنس : الابراج : عدد المساهمات : 1570نقاط : 30719تاريخ الميلاد : 19/04/1984 تاريخ التسجيل : 15/11/2010العمر : 40 الموقع : في القلب العمل/الترفيه : خريج كلية الادارة والاقتصاد
موضوع: قصة استشهاد الامام الحسين (ع)جزء ثاني الأحد أغسطس 21, 2011 5:25 am
فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه ، فكان يسير بأصحابه ناحية ، والحسين عليه السلام في ناحية أخرى ، حتى انتهوا الى عذيب الهجانات ثم مضى الحسين عليه السلام حتى انتهى الى قصر بني مقاتل فنزل به ، فاذا هو بفسطاط مضروب فقال : ( لمن هذا ؟) فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي ، فقال ادعوه الي) فلما أتاه الرسول قال له : هذا الحسين بن علي يدعوك ، فقال عبيد الله : انا لله وانا اليه راجعون ، والله ماخرجت من الكوفة الا كراهية أن يدخلها الحسين وانا بها ، والله ما اريد ان اراه ولا يراني ؛ فأتاه الرسول فأخبره فقام الحسين عليه السّلامُ فجاءَ حتّى دخلَ عليه فسلّمَ وجلسَ ، ثمّ دعاه إِلى الخروج معَه ، فأعادَ عليه عُبيدُ اللهِّ بن الحرِّ تلكَ المقالةَ واستقاله ممّا دعاه إِليه ، فقالَ له الحسينُ عليهِ السّلامُ : « فإِن لم تنصرْنا فاتّقِ اللّهَ أن تكونَ ممّن يُقاتلُنا؛ واللّهِ لا يسمعُ واعيتَناأحدٌ ثمّ لا ينصرُنا إلاّ هلكَ » فقالَ : أمّا هذا فلا يكونُ أبداً إِن شاءَ اللّهُ ؛ ثمّ قامَ الحسينُ عليهِ السّلامُ من عندِه حتّى دخلَ رحله. ولمّا كانَ في اخرِ ألليلِ أمرَ فتيانَه بالاستقاءِ منَ الماءِ، ثمّ أمرَ بالرّحيلِ ، فارتحلَ من قصرِ بني مُقاتلٍ ، فقالَ عُقبةُ بنُ سمعانَ : سِرْنا معَه ساعةً فخفقَ وهوعلى ظهرِفرسِه خفقةً ثمّ انتبهَ ، وهو يقولُ : «إِنّا للّهِ وإنّا إِليه راجعونَ ، والحمدُ للّهِ ربِّ العالمينَ » ففعلَ ذلكَ مرّتينِ أو ثلاثاً، فأقبلَ إِليه ابنُه علي بنُ الحسينِ عليهما السّلامُ على فرسٍ فقالَ : ممَّ حمدتَ الله واسترجعتَ ؟ فقاَل : «يا بُنَيَّ ، إِنِّي خفقتُ خَفقةً فعَنَّ لي فارسٌ علىَ فرسٍ وهو يقولُ : القومُ يسيرونَ ، والمنايا تسيرُ إِليهمِ ، فعلمتُ أَنّها أَنفسُنا نُعِيَتْ إِلينا» فقالَ له : يا أبَتِ لا أراكَ اللهُّ سوءاً، ألسنا على الحقِّ ؟ قالَ : «بلى، والّذي إِليه مرجعُ العبادِ » قال : فإِنّنا إِذاً لا نبالي أَن نموتَ مُحِقِّينَ ؛ فقالَ له الحسينُ عليهِ السّلامُ : «جزاكَ اللّه من ولدٍ خيرَ ما جزى وَلداً عن والدِه ». يزالوا يتياسرونَ كذاك حتّى انتهَوا إِلى نينَوى - المكانِ الّذي نزلَ به الحسينُ عليهِ السّلامُ - فإِذا راكبٌ على نجيبِ له عليه السِّلاحُ متنكِّبٌ قوساً مقبلٌ منَ الكوفةِ، فوَقَفُوا جميعاً ينتظَرونَه فلمّا انتهى إِليهم سلّمَ على الحرِّ وأصحابِه ولم يسلِّمْ على الحسينِ وأصحابِه ، ودفعَ إِلى الحرِّ كتاباً من عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ فإِذا فيه : أمّا بعدُ فَجَعْجِعْ بالحسينِ حينَ يَبلُغُكَ كتابي ويقدمُ عليكَ رسولي ، ولا تُنْزِلْه إِلاّ بالعراءِ في غيرِ حصنٍ وعلى غيرِماءٍ ، فقد أمرتُ رسولي أن يَلزَمَك ولا يفُارِقَكَ حتّى يأْتيني بإِنفاذِكَ أمري ، والسّلامُ. فلمّا قرأ الكتابَ قالَ لهم الحرُ: هذا كتابُ الأَميرِ عُبيدِاللهِّ يأْمرُني أَن أُجَعْجِعَ بكم في المكانِ الّذي يأْتي كتابُه ، وهذا رسولُه وقد أمرَه أَلاّ يفارقَني حتّى أُنَفّذَ أَمْرَه. فنظرَ يزيد بنُ المهاجرِ الكنانيّ - وكانَ معَ الحسينِ عليهِ السّلامُ - إلى رسولِ ابن زيادٍ فعرفَه فقالَ له يزيدُ : ثَكلَتْكَ أُمُّكَ ، ماذا جئتَ فيه ؟ قالَ : أَطعتُ إِمامي ووفيتُ ببيعتي ، فقالَ له ابنُ المهاجرِ: بل عصيتَ ربَّكَ وأطعتَ إِمامَكَ في هلاكِ نفسِكَ وكسبتَ العارَ والنّارَ، وبئسَ الإمامُ إِمامكَ ، قالَ اللّهُ عزَّ من قائلٍ ( وَجَعَلنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُوْنَ إِلىَ النًارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنْصرُوْنَ ) فإِمامُكَ منهم. وأخذَهم الحرُّ بالنُّزولِ في ذلكَ المكانِ على غيرماءٍ ولا قريةٍ ، فقالَ له الحسينُ عليهِ السّلامُ : « دَعْنا- ويحك - ننزل في هذه القريةِ أوهذه - يعني نينَوَى والغاضِريّةَ - أو هذه - يعني شِفْنَةَ - » قالَ : لا واللّهِ ما أستطيعُ ذلكَ ، هذا رجل قد بُعِثَ اليّ عيناً عليّ، فقالَ له زُهَيرُ بنُ القَيْنِ : إِنِّي واللّهِ ما أراه يكونُ بعدَ هذا الّذي تَرَوْنَ إِلا أَشدَّ ممّا تَرَوْنَ ، يا ابنَ رسولِ اللّهِ ، إِنّ قتالَ هؤلاءِ السّاعةَ أهونُ علينا من قتالِ من يأْتينا بعدَهم ، فلعَمْري لَيَاْتيَنا بعدَهم ما لا قِبلَ لنا به ، فقالَ الحسين عليهِ السّلامُ : «ما كنتُ لأَبدأهم بالقتالِ » ثمّ نزل ؛ وذلكَ يومَ الخميسِ وهو اليوم الثّاني منَ المحرّمِ سنةَ إِحدى وستَينَ. فلمّا كانَ منَ الغدِ قدمَ عليهم عُمَرُبنُ سَعْدِ بنِ أبي وَقّاصٍ منَ الكوفةِ في أربعةِ آلافِ فارسٍ ، فنزلَ بنينوى وبعثَ إِلى الحسينِ عليهِ السّلامُ (عُروةَ بنَ قَيْسٍ ) الأحمسيّ فقالَ له : ائتِهِ فسَلْه ما الّذي جاءَ بكَ ؟ وماذا تريدُ؟ وكانَ عُروةُ ممّن كتبَ إلى الحسينِ عليهِ السّلامُ فاستحيا منه أن ياْتيَه ، فعرضَ ذلكَ على الرؤَساءِ الّذينَ كاتبوه ، فكلّهم أبى ذلكَ وكرِهَه ، فقامَ إِليه كَثيرُبنُ عبدِاللهِّ الشَّعْبِيّ وكانَ فارساً شُجاعاً لا يَرُدُّ وجهَه لشيءٌ فقالَ : أنا أذهبُ إِليه ، وواللّهِ لئن شئتَ لأفْتكنَّ به ؛ فقالَ له عُمَرُ: ما أُريدُ أن تَفتكَ به ، ولكنِ ائتِه فسَلْه ما الّذي جاءَ بك ؟ فاقبلَ كثيرٌ إِليه ، فلمّا رآه أبو ثمامةَ الصّائديُّ قالَ للحسينِ عليهِ السّلامُ : أصلَحَكَ اللهّ يا أَبا عبدِاللهِّ ، قد جاءَكَ شرُّ أهلِ الأرضِ ، وأجرؤهم على دم ، وأفتكُهم. وقامَ إِليه فقالَ له : ضَعْ سيفَكَ ، قالَ : لا ولا كرامة، إِنّما أنا رسولٌ ، فإِن سمعتم منِّي بلّغتُكم ما أرْسِلْتُ به إِليكم ، وان أبَيتم انصرفتُ عنكم ، قالَ : فإِنِّي آخذُ بقائِمِ سيفِكَ ، ثمّ تكلّم بحاجتِكَ ، قالَ : لا واللهِّ لا تمسَّه ، فقالَ له : أخبرْني بما جئتَ به وأَنا أُبلِّغهُ عنكَ ، ولا أدعُكَ تدنو منه فإِنّكَ فاجرٌ ؛ فاستَبّا وانصرفَ إِلى عمر بن سعدٍ فأخبرَه الخبرَ. فدعا عمرُقُرّةَ بنَ قيسٍ الحنظليّ فقالَ له : ويحَكَ يا قُرّةُ، القَ حسيناً فسَلْه ما جاءَ به وماذا يريد ؟ فأتاه قُرّةُ فلمّا رآه الحسينُ مقبلاً قالَ : «أتعرفونَ هذا؟» فقالَ له حبيبُ بنُ مُظاهِرِ: نعم ، هذا رجلٌ من حنظلةِ تميم ، وهو ابنُ أُختِنا، وقد كنتُ أعرَفه بحسنِ الرٌأي ، وما كنتُ أراه يشهَدُ هذا المشهدَ. فجاءَ حتّى سلَّمَ على الحسينِ عليهِ السّلامُ وأبلغَه رسالةَ عمرِ بنِ سعدٍ إِليه ، فقالَ له الحسينُ : «كَتبَ إِليَّ أهلُ مِصْرِكم هذا أن اقدم ، فأمّا إِذ كرهتموني فأنا أنصرفُ عنكم » ثمّ قالَ حبيبُ بنُ مُظاهِر: ويحَكَ يا قُرّةً أينَ ترجعُ ؟! إلى القوم الظّالمينَ ؟! انْصُرْ هذا الرّجلَ الّذي بآبائه أيّدَكَ اللّهُ بالكرامةِ ، فقالَ له قُرّةُ : أَرجعُ إِلى صاحبي بجواب رسالتِه ، وأرى رأيي. قالَ : فانصرفَ إِلى عمر بن سعدٍ فأَخبرَه الخبرَ؛ فَقالَ عمرُ: أرجوأن يعافيَني اللهُ من حربه وقتالِه ؛ وكتبَ إِلى عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ : بسم اللّهِ الرّحمنِ الرّحيمَ ، أمّا بعدُ : فإِنِّي حينَ نزلتُ بالحسينِ بعثتُ إِليه رسلي ، فسألتُه عمّا اقْدَمَه ، وماذا يطلبُ ؟ فقالَ : كتبَ إِليَّ أَهْلُ هذه البلادِ، واتتْني رُسُلُهم يسألونَني القدومَ ففعلتُ ، فأمّا إِذ كرهوني وبدا لهم غيرُما أتَتْني به رُسُلُهم ، فأَنا منصرفٌ عنهم. قالَ حسّانُ بنُ قائدٍ العَبْسيّ : وكنتُ عندَ عُبيدِاللهِّ حينَ أَتاه هذا الكتابُ ، فلمّا قرأه قالَ : ألآنَ إِذْ عَلِقَتْ مَخَالبنَا بِهِ يَرْجُو النَّجَاةَ وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصِ وكتبَ إِلى عمربن سعدٍ : أمّا بعدُ: فقد بلغَني كتابُكَ وفهمتُ ما ذكرتَ ، فاعرِضْ على الحسينِ أَن يُبايعَ ليزيدَ هو وجميعُ أصحابه ، فإِذا فعلَ هو ذلكَ رأينا رأيَنا ، والسّلامُ. فلمّا وردَ الجوابُ على عمر بن سعدٍ قالَ : قد خشيتُ ألاّ يَقبلَ ابنُ زيادٍ العافيةَ. ووردَ كتابُ ابنِ زيادٍ في الأثرِ إلى عمر بن سعدٍ : أن حُلْ بينَ الحسينِ وأصحابه وبينَ الماءِ فلا يَذوقوا منه قطرةً، كما صُنعَ بالتّقيِّ الزّكيِّ عُثمان بن عفَّان. فبعثَ عمرُبنُ سعدٍ في الوقتِ عَمْرَو بنَ الحجّاجِ في خمسمائةِ فارس ، فنزلوا على الشّريعةِ وحالوا بينَ الحسينِ وأصحابه وبينَ الماءِ أن يَستَقُوا منه قطرةً، وذلكَ قبلَ قتل الحسين بثلاثةِ أيّامٍ ، ونادى عبدُاللّه بن الحُصين الأزديّ - وكانَ عِدادُه في بَجيلةً - بأعلى صوته: يا حسينُ ، ألا تنظرُإِلى الماءِ كأنّه كَبدُ السّماءِ، واللّهِ لا تَذُوقونَ منه قطرةً واحدةً حتّى تموتوا عطشاً؛ فقالَ الحسينُ عليه السّلامُ : «اللّهمَّ اقْتًلْهُ عَطَشاً ولا تَغْفِرْله أبداً». قالَ حميدُ بنُ مسلمٍ : واللّهِ لَعُدْتُه بعدَ ذلكَ في مرضِه ، فواللّهِ الّذي لا إِلهَ غيرُه ، لقد رأيتُه يَشرَبُ الماءَ حتّى يَبغَرَ ثمّ يقيئه ،ويصيحُ : العطشَ العطش ، ثمّ يعودُ فيشرَبُ الماءَ حتّى يَبْغَرَثم يقيئه ويتلَظّى عَطَشاً، فما زالَ ذلكَ دأبه حتّى (لَفَظَ نفسَه). ولمّا رأى الحسينُ نزولَ العساكرِ مع عمرِ بن سعدٍ بنينوى ومدَدَهم لقتالِه أنفذَ إِلى عمر بن سعدٍ : «انِّي أُريدُ أن ألقاكَ » فاجتمعا ليلاً فتناجيا طويلاً، ثمّ رجعَ عمرُ بنُ سعدٍ إِلى مكانِه وكتبَ إِلى عُبيَدِاللهِّ بن زيادٍ : أمّا بعدُ: فإِنّ اللّهَ قد أطْفأ النّائرةَ وجَمَعَ الكلمةَ وأَصَلحَ أَمرَ الأمّةِ، هذا حسينٌ قد أَعطاني أن يرجِعَ إِلى المكانِ الّذي أتى منه أو أن يسيرَ إِلى ثَغرٍ منَ الثُّغورِ فَيكونَ رجلاًَ منَ المسلمينَ ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، أو أَن يأَتيَ أميرَ المؤمنينَ يزيدَ فيضعَ يدَه في يدِه ، فيرى فيما بينَه وبينَه رأيَه ، وفي هذا[لكم] رضىً وللأمّةِ صلاحٌ. فلمّا قرأ عُبيدُاللّهِ الكتابَ قالَ : هذا كتابُ ناصحٍ مشفق على قومِه. فقامَ إِليه شِمْرُ بنُ ذي الجَوْشنِ فقالَ : أتَقبلُ هذا منه وقد نزلَ بأرًضِكَ والى جنبكَ ؟ واللّهِ لئن رحلَ من بلادِكَ ولم يَضَعْ يدَه في يدِكَ ، لَيكونَنَّ أولى بالقَوّةِ ولتكونَنَّ أولى بالضَّعفِ والعجز، فلا تُعْطِه هذه المنزلةَ فإِنّها منَ الوَهْنِ ، ولكن لِينَزِلْ على حُكمِكَ هو وأصحابُه ، فان عاقبْتَ فأنت (أَولى بالعقوبةِ) وإن عفَوْتَ كانَ ذلكَ لك. قالَ له ابنُ زيادٍ : نِعْمَ ما رأيتَ ، الرأيُ رأيُك ، اخْرجُ، بهذا الكتاب إِلى عُمَر بن سعدٍ فلْيَعْرِضْ على الحسينِ وأصحابه النًّزولَ على حُكْمِي ، فإِن فَعَلوا فليَبْعَثْ بهم إِليّ سِلماً، وأن هم أًبَوْا فليقاتلْهم ، فإِن فَعَلَ فاسمعْ له وأطِعْ ، واِن أبى أن يقاتِلَهم فأنتً أَميرُ الجيشِ ، واضرِبْ عُنقَه وابعثْ إِليَّ برأسِه. وكتبَ إِلى عمر بن سعدٍ :انِّي لم أبعثْكَ إِلى الحسينِ لتكفَّ عنه ولا لتُطاوِلَه ولا لتمنّيَه السّلامةَ والبقاءَ ولا لتَعتَذِرَ له ولا لتكونَ له عندي شافعاً، انظرْ فإِن نزلَ حسينٌ وأصحابُه على حكمي واستسلموا فابعثْ بهم إِليَّ سِلْماً، وِان أبوْا فازحَفْ إِليهم حتّى تقتُلَهم وتُمثِّلَ بهم ، فإِنّهم لذلكَ مستحقُّونَ ، وِان قُتِلَ الحسينُ فأوْطئ الخيلَ صدرَه وظهرَه ، فإِنّه عاتٍ ظلومٌ ، وليس أَرى أنّ هذا يَضُرُّ بعدَ الموتِ شيئاً، ولكنْ عليّ قولٌ قد قلتُه : لوقتلتُه لفعلتُ هذا به ، فإِن أنتَ مضيتَ لأَمرِنا فيه جزَيْناكَ جزاءَ السّامعِ المطيعِ ، وإن أبيتَ فاعتزلْ عَمَلَنا وجُنْدَنا، وخلِّ بينَ شمرِ بنِ ذي الجوشنِ وبينَ العسكرِ فإِنّا قد أمرناه بأمرنا، والسّلام. فأقبلَ شمرٌ بكتاب عًبيدِاللّهِ إِلى عمربن سعدٍ ، فلمّا قدمَ عليه وقرأَه قالَ له عمرُ: ما لَكَ ويْلَكَ ؟! لا قَرَّبَ اللّهُ دارَكَ ، قَبَّح اللهُ ما قَدِمْتَ به عليّ ، واللّهِ إِنِّي لاظنُّكَ أنّكَ نهيتَه أن يَقْبَلَ ما كتبتُ به إِليه ، وأفسدتَ علينا أمْرنَا، قد كنّا رَجَوْنا أن يصلحَ ، لا يستسلمُ واللّهِ حسينٌ ، إِنَّ نفسَ أبيه لبَيْنَ جنبَيْه. فقالَ له شمرٌ : أخبِرني ما أَنتَ صانعٌ ، أتمضِي لأَمرِ أميرِكَ وتقاتلُ عدوٌه ؟ ِوألاّ فخلِّ بيني وبينَ الجندِ والعسكر؛ قالَ : لا، لا واللّهِ ولاكَرامةَ لكَ ، ولكنْ أنا أتولىّ ذلكَ ، فدونَكَ فكُنْ أنتَ على الرَّجّالةِ. ونهضَ عمرُبنُ سعدٍ إِلى الحسينِ عشيّةَ الخميسِ لتسعٍ مضَيْنَ منَ المحرّمِ. وجاءَ شِمرٌ حتّى وقفَ على أصحاب الحسينِ عليهِ السّلامُ فقالَ : أينَ بَنُو أُختِنا؟ فخرجَ إِليه العبّاسُ وجَعْفَرٌ وعثمانُ بنوعليِّ بنِ أبي طالب عليه وعليهم السّلامُ فقالوا : ماتريدً؟ فقلَ : أنتم يابني أُختي امِنونَ ؛ فقالتْ له الفِتْيةُ : لَعَنَكَ اللهّ ولَعَنَ أمانَكَ ، أتؤمِنُنَا وابنُ رسولِ اللّهِ لا أمانَ له ؟ ! ثمّ نادى عمرُ بنُ سعدٍ : يا خيلَ اللّهِ اركبي وأبشري ، فركِبَ النّاس ثمّ زحفَ نحوَهمِ بعد العصرِ، وحسينٌ عليهِ السّلامُ جالسٌ أمامَ بيتِه مُحتب بسيفِه ، إِذ خفقَ برأسِه على ركبتَيْه ، وسمعَتْ أُختُه الصّيحةَ فدنَتْ من أَخيها فقالت : يا أخي أما تسمعُ الأصواتَ قدِ اقتربتْ ؟ فرفعَ الحسينُ عليهِ السّلامُ رأسَه فقالَ : «إِنِّي رأيتُ رسولَ اللّهِ صلّى اللهُّ عليهِ والهِ السّاعةَ في المنام فقالَ لي : إِنّكَ تَرُوحً إِلينا» فلطمتْ أُختُه وجهَها ونادتْ بالويلِ ، فقَالَ لها : «ليسَ لكِ الويلُ يا أُخيَّةُ، اسكتي رحمَكِ اللّهُ » وقالَ له العبّاسُ بنُ عليٍّ رحمةُ اللّهِ عليه : يا أخي أتاكَ القومُ ، فنهضَ ثمّ قالَ : «يا عبّاسُ ، اركَبْ - بنفسي أنتَ يا أخي - حتّى تَلْقاهم وتقولَ لهم : ما لكم وما بَدا لكم ؟ وتسألَهم عمّا جاءَ بهم ». فأتاهم العبّاسُ في نحوٍ من عشرينَ فارساً، منهم زُهَيرُ بن القَيْنِ وحبيبُ بنُ مظاهِرٍ ، فقالَ لهم العبّاسُ : ما بدا لكم وما تريدونَ ؟ قالوا: جاءَ أًمرُ الأميرِأَن نَعْرضَ عليكم أن تنزلوا على حكمِه أَو نناجِزَكم ؛ قالَ : فلا تعجلوا حتّىَ أَرجعَ إِلى أبي عبدِاللهِّ فأعرِضَ عليه ما ذكرتم ، فوقفوا وقالوا: الْقَه فأعْلِمْه ، ثمّ الْقَنا بما يقولُ لكَ. فانصرفَ العباسُ راجعاً يركضُ إِلى الحسينِ عليهِ السّلامُ يخبرُه الخبرَ، ووقفَ أَصحابُه يخاطِبونَ القومَ ويَعِظُونَهم ويكفّونَهم عن قتاَلِ الحسينِ. فجاءَ العبّاسُ إِلى الحسينِ عليه السّلامُ فأخبرَه بما قالَ القومُ ، فقالَ : «ارجعْ إِليهم فإِنِ استطعتَ أَن تُؤَخِّرَهم إِلى الغُدْوَةِ وتَدْفَعَهم عنّا العشيّةَ، لعلّنا نصلِّي لربِّنا الليلةَ وندعوه ونستغفرُه ، فهو يَعلمُ أَنَي قد أُحبُّ الصّلاةَ له وتلاوةَ كتابِه والدُّعاءَ والاستغفارَ». فمضى العبّاسُ إِلى القوم ورجعَ من عندِهم ومعَه رسولٌ من قبَل عمر بن سعدٍ يقول : إِنّا قد أجَّلناكم إِلى غدٍ ، فإِنِ استسلمتم سرَّحْناكم إلى أميرِنا عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ ، وإِن أَبيتم فلسنا تاركيكم ، وانصرفَ. فجمعَ الحسين عليهِ السّلامُ أَصحابَه عندَ قربِ المساءِ. قالَ عليُّ بنُ الحسينِ زينُ العابدينَ عليهِ السّلامُ : «فدنوتُ منه لأَسْمَعَ ما يقولُ لهم ، وأَنا إِذ ذاك مريضٌ ، فسمعتُ أَبي يقولُ لأصحابِه : أُثني على اللهِّ أَحسنَ الثّناءِ ، وأَحمده على السّرّاءِ والضّرّاءِ ، اللّهمَّ إِنِّي أحْمَدُكَ على أن أكرمْتَنا بالنُّبُوّةِ وعَلّمتنَا القرآنَ وفَقَّهْتَنَا في الدِّينِ ، وجعلت لنا أسماعاً وأَبصاراً وأَفئدةً ، فاجعلْنا منَ الشّاكرينَ. أَمّا بعدُ : فإِنِّي لا أَعلمُ أَصحاباً أَوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أَهلَ بيتٍ أَبرَّ ولا أوصلَ من أَهلِ بيتي فجزاكم اللّهُ عنَي خيراً، أَلا وإِنَي لأَظنَّ أَنّه اخرُ يومٍ لنا من هؤلاءِ،أَلا وإِنّي قد أَذنت لكم فانطلِقوا جميعاً في حِلٍّ ليس عليكم منِّي ذِمامٌ ، هذا الليلُ قد غشِيَكم فاتّخِذوه جَمل. فقالَ له إِخوتُه وابناؤه وبنوأخيه وابنا عبدِاللهِّ بنِ جعفرٍ : لِمَ نفعلُ ذلكَ ؟! لنبقى بعدَكَ ؟! لا أَرانا اللهُّ ذلكَ أبد. بدأهم بهذا القولِ العبّاس بنُ عليٍّ رضوانُ اللهِّ عليه واتّبعتْه الجماعةُ عليه فتكلّموا بمثله ونحوِه. فقالَ الحسينُ عليه السّلامُ : يا بني عقيلٍ ، حَسْبُكم منَ القتلِ بمسلم ، فاذهبوا أنتم فقد اذِنْتُ لكم. قالوا : سبحانَ اللهِ ، فما يقولُ النّاسُ ؟ ! يقولونَ إِنّا تركْنا شيخَنا وسيِّدَنا وبني عمومتنا - خيرِ الأعمامِ - ولم نرْمِ معَهم بسهِمٍ ، ولم نطعنْ معَهم برُمحٍ ، ولم نضْرِبْ معَهم بسيفٍ ، ولا ندري ما صنعوا،لا واللّهِ ما نفعلُ ذلكَ ، ولكنْ (تَفْدِيكَ أنفسُنا وأموالنُا وأهلونا)، ونقاتل معَكَ حتّى نَرِدَ موردَكَ ، فقَبحَ الله العيشَ بعدَكَ. وقامَ إِليه مسلمُ بنُ عَوْسَجةَ فقالَ : أنُخلِّي عنكَ ولمّا نُعذِرْإِلى اللهِ سبحانَه في أداءِ حقِّكَ ؟! أما واللهِّ حتّى أطعنَ في صُدورِهم برمحي ، وأضربَهم بسيفي ما ثبتَ قائمهُ في يدي ، ولو لم يكنْ معي سلاحٌ أُقاتلُهم به لقَذَفْتهم بالحجارةِ، واللهِّ لا نُخلِّيكَ حتّى يعلمَ اللهُ أنْ قد حَفِظْنا غيبةَ رسولِ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وآلهِ فيكَ ، واللّهِ لوعلمتُ أنِّي أُقْتَلُ ثمّ أحيا ثم أُحرقُ ثم أحيا ثم أُذَرَّى، يُفعَلُ ذلكَ بي سبعينَ مرة ما فارقتُكَ حتّى ألقى حِمامي دونَكَ ، فكيفَ لا أفعلُ ذلكَ ِوانّما هي قَتْلةٌ واحدةُ ثمّ هي الكَرامةُ الّتي لا انْقِضاءَ لها أبد. وقامَ زُهَيرُ بنُ القَيْن البجليّ -رحمةُ اللهِّ عليهِ - فقالَ : واللهِ لوَددْتُ أنِّي قُتِلْتُ ثمّ نُشِرْتُ ثمّ قُتِلْت حتّى أًقتلَ هكذا ألفَ مرّةٍ ، وأَنّ الله تعالى يدفعُ بذلكَ القتلَ عن نفسِكَ ، وعن أنفُسِ هؤلاء الفِتْيانِ من أهل بيتِكَ. وتكلّمَ جماعةُ أصحابه بكلام يُشبهُ بَعضُه بعضاً في وجهٍ واحدٍ ، فجزاهم الحسينُ عَليهِ السلامُ خيراً وَانصرفَ إلى مضِربه ». قالَ عليُّ بنُ الحسينِ عليهما السّلامُ : «اِنيّ لَجالسٌ في تلكَ العشيّةِ الّتي قُتِلَ أبي في صبيحتِها، وعندي عمّتي زينبُ تمرضني ، إِذِ اعتزلَ أبي في خباءٍ له وعندَه جُويْنٌ مولى أبي ذرٍّ الغفار وهويُعالجُ سيفَه ويُصلِحُه وأبي يقولُ :