علي سعود المدير العام للمنتدى
الجنس : الابراج : عدد المساهمات : 1570 نقاط : 30719 تاريخ الميلاد : 19/04/1984 تاريخ التسجيل : 15/11/2010 العمر : 40 الموقع : في القلب العمل/الترفيه : خريج كلية الادارة والاقتصاد
| موضوع: الرائحة المميزة الأحد سبتمبر 04, 2011 8:05 pm | |
| عندما فكرت بالزواج والاستقرار، فاتحت والدي ووالدتي ففرحا وشجعاني على المضي قدما نحو حالة الاستقرار واستكمال نصف الدين كما يقولون، وبالطبع فإنني وكلت موضوع اختيار العروس إلى الوالدة وشقيقاتي المتزوجات · بعد بحث وتقصي تم اختيار العروس المناسبة من وجهة نظرهن، فهي من بنات إحدى العائلات المعروفة، وهي تتميز بخفة الروح وطيبة القلب ودماثة الأخلاق، وبما أن عائلتها محافظة بعض الشيء فلم يسمح لي برؤيتها فاعتمدت على حسن اختيارهن ولم أشأ حتى أن أطلب صورتها ثقة بذلك الاختيار · تمت جميع الخطوات من خطبة وعقد قران وتم تحديد العرس· وبالطبع فإنني قمت بالاقتراض من البنك مبلغا ضخما لتغطية كافة النفقات، مما أثر على الراتب القليل الذي استلمه، فأنا موظف بسيط أحمل شهادة الدبلوم التقني· وبالنسبة لمنحة صندوق الزواج فإنها تتأخر كثيرا وتتطلب الصبر الطويل· عموما ·· كل شيء يهون أمام الرغبة الحقيقية في الاستقرار وتكوين أسرة هانئة وسعيدة· كلما اقترب موعد العرس كلما ضاقت دائرة الديون حول رقبتي ، فالطلبات كثيرة لا أول لها ولا آخر، ونفوس الحريم مفتوحة على الشراء واقتناء ما يلزم وما لا يلزم لإظهار الأسرة بمستوى مادي أعلى من مستواها الحقيقي ··· وهذا بالطبع من دواعي ( الخقة ) التي تتميز بها حريمنا بشكل خاص وبلا منازع· عموما ··· فإنني سكت ولم أعترض لأنني كلما فتحت فمي لأقول شيئا ، صرخت الوالدة بوجهي قائلة : من يريد الزواج عليه أن ينفق ··· فلسنا أقل من عائلة فلان وعلتان، ألم تكن أعراسهم مكلفة ؟ أنت لست أقل منهم· أعود للرضا والسكوت وأصبر نفسي، فالجميع هنا يدفعون ما أدفع ويتحملون مثلي أوزار التكاليف التي تفرضها حريم الأسرة وليس رجالها·
الدخول المحرج انتهت الاستعدادات وبدأت حفلة العرس ، وجاء موعد دخولي إلى القاعة والجلوس على الكوشة إلى جانب عروسي التي لم أكن قد شاهدتها من قبل · دخلت بخطوات سريعة وعيون الحريم تبحلق بي وكأنني مخلوق جاء من الفضاء· إنها لحظات ثقيلة وصعبة تمنيت لو أنها تلغى أو تمحى من مراسيم الأعراس، لا أدري من الذي شرعها أو فرضها، فماذا سيحدث لو أن العرس يقتصر على دخول العروس ثم خروجها لوحدها إلى سيارة العريس وينتهي الأمر ؟ فما الحاجة إلى هذا الاستعراض السخيف الذي جعلني أتصبب عرقا مع أن القاعة باردة· عموما فقد فكرت بأنه لا فائدة من الاعتراض والأفضل أن أستمر بخطواتي السريعة نحو الكوشة متحاشيا تلك العيون الفاحصة والمسلطة علي· لم أنتبه لعدد درجات السلم الذي يرفع الكوشة عن أرض القاعة، تعثرت وكدت أن أسقط ولكني تداركت الأمر بسرعة واستعدت توازني قبل أن أصبح مهزلة لجيش العيون التي تلاحقني· وصلت أخيرا إلى الكرسي المخصص لي وبعد أن استعدت أنفاسي نظرت إلى عروسي ولأول مرة· صدمت ···ما هذه المخلوقة التي تجلس إلى جانبي؟ هل هذه هي زوجتي التي سأعيش معها كل سنين عمري؟ هل هذا يعقل؟ مستحيل! لماذا كذبوا علي؟ لماذا امتدحوها أمامي؟ قالوا إنها تتميز بالجمال والرقة والعذوبة؟ أين الجمال؟ وأين الرقة ؟ وجه كبير مليء بالكتل اللحمية ··· أنف عريض ومسطح ··· عيون خالية من الجاذبية ·· ·شفاه عريضة ، جسد غير متناسق ··· هل هذه هي عروسي؟ فكرت بالهرب من أحد الأبواب الجانبية القريبة من الكوشة، ولكني تراجعت خوفا من أن تصاب أمي بسكتة قلبية إن أحرجتها بهذا الشكل، صرت ارتجف من شدة الغيظ وصار العرق يتصبب من جميع أجزاء جسدي حتى انتهت التمثيلية وخرجنا إلى السيارة المخصصة لنقلنا إلى المنزل· لم أتحدث معها بكلمة واحدة ··· فماذا أقول لها ؟ هي ليست مذنبة ··· الذنب هو ذنب والدتي وشقيقاتي سامحهن الله · أوصلت عروسي إلى المنزل وأدخلتها الغرفة ثم تركتها وخرجت· كنت بحاجة للتنفس في الهواء الطلق، كنت أشعر بالاختناق· تمشيت على ساحل البحر وأنا أفكر بهذه البلوى التي ابتليت بها، مستحيل أن أتقبل مثل هذه المرأة في حياتي ··· إنها لا تشبه الصورة التي رسمتها لشريكتي· لمت نفسي لأنني لم أصر على رؤيتها الرؤية الشرعية التي أجازها الدين حتى يؤدم بين القلوب ويكون الزواج صحيحا بلا مفاجآت مهلكة·
المواجهة قبل موعد أذان الفجر عدت للبيت فوجدت الجميع بانتظاري وهم مستغربين خروجي في مثل هذه الليلة· قلت لهم بصراحة: هذه المرأة لا تعجبني، ولا يمكن أن أتقبلها كزوجة· شهق الجميع من المفاجأة، ثم بذلوا جهودا مضنية لإقناعي بتغيير موقفي ولكني لم أتراجع عن عودتها لمنزل أهلها بأقرب وقت· توسلت أمي لإبقائها لمدة بسيطة منعا للفضائح فقبلت بشرط ألا يجمعني بها مكان واحد · لم أعط لنفسي أية فرصة لمعرفة شخصية الفتاة، طباعها، أفكارها، سلوكها، كل ما كان يهمني هو شكلها فقط وكانت هذه هي غلطتي الكبرى بحق نفسي وبحق هذه المسكينة التي لا ذنب لها في كل ما حدث· بعد أسابيع طلقتها فهاج كل من حولي ووصفوني بأنواع الصفات السيئة فلم أكترث لهم وعدت لحياة العزوبية من جديد وأنا غير نادم على خسارتي المادية وسوء السمعة الذي سحبته ورائي· مرت خمس سنوات أتممت خلالها دفع كل ما علي من ديون، وقد نسي الناس قصتي وتغيرت مواقفهم نحوي، وعاد الأهل في إلحاحهم علي بالزواج وعدم البقاء وحيدا بلا زوجة وأطفال وحياة أسرية أقضي معها بقية العمر · كان حديثهم منطقيا قادني إلى التفكير بتكرار التجربة مرة أخرى خصوصا وأنني قد استعدت توازني المادي· لذلك قررت إعادة المحاولة من جديد ، وبالطبع فإنني لم أطلب المساعدة من أمي لأنها لازالت غاضبة من موقفي وقد حلفت ألا تتدخل في موضوع زواجي مرة أخرى لما سببته لها من إحراج كبير مع تلك العائلة· قررت الاعتماد على نفسي وعلى أصدقائي المقربين مشترطا رؤية الفتاة قبل البدء بالأمور الرسمية· أحد زملاء العمل تحمس لموضوعي بشكل واضح وصار يحدثني عن المواصفات التي يجب أن تتوفر في شريكة العمر وعن ضرورة التأكد من تلك المواصفات فالاختيار هو أصعب العقبات التي ترافق عملية الارتباط· سألته عن تلك المواصفات التي يقصدها، بما أنه قد سبق له الزواج ولديه تجربة ناجحة، فقال لي: الأمر الأول هو أن تكون الفتاة جميلة تنشرح النفس لرؤيتها ، ثانيا أن تكون سيدة منزل تعرف كيف تعد الطعام بنفسها لزوجها وأولادها وألا تعتمد على الخادمة، ثالثا أن تكون لطيفة المعشر مبتسمة لا تعرف النكد وليست لديها طلبات كثيرة حتى لا تحمل الرجل فوق طاقته ··· يا سلام ···عز الطلب ··· ولكن أين تتوفر مثل هذه الفتاة ؟ قال بحماسة واضحة : ولا يهمك سأكلف زوجتي بالبحث عنها وتأكد بأنك ستوفق إليها بإذن الله · مرت أسابيع قليلة وأنا في انتظار مقلق استعجل صديقي لأعرف ماذا فعلت زوجته، وقد كان يلاحظ لهفتي فيردد ··· أصبر ··· الصبر خير· ثم جاءني بعدها يبشرني بأن زوجته قد عثرت على الفتاة المطلوبة وأنها رتبت مع أهلها موعدا لزيارتي لهم ولرؤيتها الرؤية الشرعية التي اشترطتها من قبل·
تجربة جديدة تهندمت وتعطرت وبدوت بأحسن حال، ثم ذهبت للموعد المحدد، قابلت والدها فرحب بي ترحيبا طيبا ثم جاءت البنت لتسلم علي فوجدتها غاية في الرقة والجمال والأدب، جلست معنا لدقائق ثم استأذنت وانصرفت· تحمست كثيرا بعد رؤيتها وفاتحت والدها برغبتي في الارتباط بها، رحب الوالد وطلب مني مهلة للرد، بالطبع سيتم خلال تلك المدة السؤال والاستفسار عني وعن أحوالي· بعد أسبوعين أتصل بي صديقي ليزف إلي النبأ السعيد بالموفقة على ذلك الزواج· بدأت الاستعدادات اللازمة للعرس، ولم يكن الأمر معسرا كما حدث في زواجي الأول لأنني أعطيتهم مبلغا محددا وأخليت مسؤوليتي من جميع الالتزامات والتفصيلات، وكان في ذلك القرار راحة مادية ومعنوية لي· جاء موعد العرس وحانت لحظة دخولي إلى قاعة العرس لرؤية العروس· تلك اللحظات التي لا أحبها أبدا، عموما فقد كانت هذه المرة أخف وطأة من الأولى بعد أن أصبحت لي خبرة في هذا الموضوع· دخلت إلى عروسي فوجدتها بغاية الروعة والجمال فشكرت ربي على هذه النعمة· بعد الزواج بأشهر تيقنت بأن زوجتي سيدة منزل من الطراز الأول ··· تحب العناية ببيتها وتحب أن تطهو الطعام بيدها، ولا تحب وجود الخادمة· كل ذلك جميل وطيب ولكن! هذه الإنسانة تعتني بكل شيء إلا نفسها ··· إنها تقضي معظم وقتها في المطبخ والتنظيف فتكون رائحتها غير طيبة· رائحتها مزيج من إفرازات العرق والطبخ، وهي لا تستحم بعد المطبخ بحجة شعورها بالتعب· فتدخل سريرها وتلك الروائح التي لا تطاق تفوح منها· حتى إذا فكرت بأخذها معي إلى زيارة الأهل فإنها لا تغير ملابسها وتلبس العباءة فوق ثيابها الوسخة، ولا تبالي بإلحاحي عليها بتغيير تلك الملابس ووضع بعض العطور· صار جميع الأهل يغلقون أنوفهم إذا دخلت عليهم· وأنا بالطبع أبقى في حالة إحراج شديد حتى كرهت الخروج معها إلى أي مكان· نبهتها عدة مرات إلى هذا الخطأ الذي يقف حائلا بيني وبينها، حاولت أن تغير أسلوبها ولكن الرائحة الكريهة لم تشأ مغادرتها، فالملابس المعلقة في الخزانة وأجواء الغرفة والأثاث كله صار مغلفا بتلك الرائحة الكريهة التي صارت تبعدني عن منزلي وتنفرني منه ومنها · تولدت بداخلي حاسة غريبة هي ملاحقة كل من تنبعث منها رائحة العطر والبخور ثم ما ألبث أن أتذكر بأن ما أفعله هو حرام فأستغفر ربي· قررت مع نفسي بأنني يجب أن أفكر بالزواج مرة أخرى لكي لا أقع في الحرام·
مفاجأة غير متوقعة كنت في زيارة لمنزل أختي، جلست وأنا غارق في أفكاري وكانت نفسيتي متعبة ، استأذنتني أختي لأن لديها ضيفة ستودعها ثم تعود إلي· سمعت أصواتا عند الباب قبلات وسلام، ثم انصرفت المرأة فجاءت أختي واصطحبتني إلى المجلس· كانت رائحة البخور والعطر تملأ المكان، سألت أختي مستفسرا: ما هذه الرائحة الجميلة؟ ، قالت : إنها فلانه ما أن تدخل البيت حتى يمتلئ المكان برائحتها المميزة ··· فلانة! من هي فلانة؟ ذلك الاسم ليس غريبا علي ؟! نظرت أختي إلي باستغراب وقالت: هل نسيتها؟ إنها تلك الإنسانة التعيسة التي طلقتها دون سبب· ماذا؟ ماذا تقولين؟ هل هذا معقول؟ يا إلهي! إنه درس إلهي لتأديبي ··· لقد رفضت الفتاة وطلقتها لمجرد أن شكلها لم يعجبني ولم أعط نفسي الفرصة لمعرفة حسناتها وميزاتها· خجلت من نفسي وسألت أختي ··· لماذا تزورك؟ قالت: لقد ارتبطت بي بصداقة قوية على الرغم من كل ما حدث ، إنها مسكينة ···حظها قليل مع أنها بنت ناس ولديها صفات رائعة · اتخذت قراري في الحال وأخبرت أختي بأنني أخطأت في تطليقها وأنني سأتزوجها من جديد لأكفر عن خطئي بحقها· جاءني الرد سريعا بالموافقة، فأخبرت زوجتي بقراري فانهارت وبكت واتهمتني بالظلم لأنها لم تقصر معي في شيء وأنها تتفانى في خدمتي ليل نهار · قلت لها : أنا لم أردك خادمة في بيتي ··· أردتك زوجة تعتني بنفسها وبنظافتها، أردت أن أستنشق العبير الجميل منك· لقد أخبرتك وحذرتك مرارا ولكن كل ذلك لم ينفع معك فماذا يفيدني جمالك وأنا لا أستطيع التمتع به مع تلك الرائحة العجيبة التي صارت جدارا يفصل بيني وبينك· بكت وتألمت ولكنها عادت للرضا وانهمكت مرة أخرى في حركة لا تكل ولا تمل وهي تعتني ببيتها ومطبخها وتعد وجبات الطعام المتعددة لنا ولجميع الجيران والمعارف· أما أنا فوجدت السعادة الحقيقية مع زوجتي الأولى التي تعرف كيف تكون أنثى حقيقية لشدة اهتمامها بي وبنفسها· فهي التي تتابعني بمكالماتها المليئة بالشوق واللهفة، وهي التي تستقبلني بحرارة كلما عدت من عملي وبنفس الشوق تودعني وبالعطر والبخور تلف المكان فأشعر وكأنني في حلم جميل لا أريد له أن ينتهي·
منقووولة من سلسلة البيوت اسرار (سلسلة القصص الحقيقية التي حدثت في الامارات ) | |
|