العضو الذهبي المشرف
الجنس : الابراج : عدد المساهمات : 124 نقاط : 24655 تاريخ الميلاد : 15/05/1993 تاريخ التسجيل : 08/08/2011 العمر : 31 الموقع : البصره العمل/الترفيه : طالب السادس ادبي
| موضوع: حقائق العقل المعرفي عند الامام علي عليه السلام السبت أغسطس 13, 2011 6:14 pm | |
| دراسة في فلسفة علم الحقائق حقائق العقل المعرفي عند الامام علي (عليه السلام)
توطئة في المفاهيم: يقف الكثير من اصحاب الاختصاص وغيرهم أمام تفسير علم الحقائق، فهل هو يدخل في العلوم العقلية الصرفة أم في حقول العلوم العرفانية أم تراه علم خص الله به بعض ممن افاض الله عليهم بالمدارك الروحية؟ وهناك الكثير من التساؤلات حول ماهية علم الحقائق وترابط أصوله بالعصمة وكمالات الادراك المعرفي؟ وهذا النوع من البحوث سيقودنا الى تحليل فكرة الظاهراتية من موقف علمي، فهل الحقيقة ظاهرة أم واقع؟ وهل ما يظهره الائمة المعصومين وخاصة يعسوب الدين وامام المتقين أمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليهما السلام من آيات ودلالات وبراهين تؤكد معرفته ببواطن الامور وبحقائق الاصول مما لا مجال للشك فيه أو الرد على حقائقه، وهو القرآن الناطق والعلم القائم بعد الرسول الخاتم صلوات الله عليهما وآلهما كما جاء في دعاء الندبة من الصلاة عليهما وآلهما. إن خفاء لحقيقة عن الادراك لا ينفي حقيقتها، كما لا يتنافى مع اصالة وجودها في عالم التكوين وظهور خصائصها الوجودية في عالم الوجود. فظهور مظاهرها الوجودية أنما لتأكيد حقيقتها التكوينية، ولتقريب مثالها للعقل فيدركها بمظهرها الوجودي، ولتتمثل للنفس فتقبلها النفس في حقيقتها النفسية ثم لتتجسد للحواس بمظهرها المادي فتحسها الحواس عندئذ. إن للحقيقة وحدة قائمة بذاتها ولكنها تظهر لنا بمظاهر متعددة وأشكال متباينة تتناسب وحالة إدراكنا، فادراكنا بها يبقى إدراكاً ناقصاً عن خفايا كنهها، فلحقيقة الحياة في عالمنا المادي خواص تتناسب وحدود الحواس (السمع، البصر، الشم، التذوق واللمس) وهي على مساحتها تبقى قاصرة عن إدراك ماورائها، او تبيان حقيقتها في الدار الاخرة: " وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون" (1). مما يعني ان حقيقة الحياة لا تظهر إلا في الدار الاخرة التي هي عنوان لعالم الملكوت حيث تتجسد فيها القيمة العليا لمطلق الحياة. هذه الدراسة تمثل احدى مقدمات بحوثي المطولة في العلوم العرفانية (رسائل في العرفان) وقد اخترت منها هذا البحث في حقائق العقل المعرفي فاوجزت مادته لطولها لتصلح للنشر.حقيقة العقل عند الامام علي (ع): إن لكل خلق من خلق الله ولكل حال وفعل بل لكل وجود حقيقتان ظاهرة وباطنة، فالظاهرة هي ما تدركه الحواس، فمرة بالسمع وتارةً بالبصرة وأخرى بالذوق وتارة أخرى باللمس، أو قد يكون بكل هؤلاء معاً أو ببعضها، ويمكن للعقل في عالم الوجود ان يفسر هذه الظواهر تفسيرا ماديا وفقاً لتفاعلها مع الحواس، لكن العقل ذاته يمكن ان يعي حقيقة الحقائق في ما بعد الجانب المادي لتتجلى لديه الحقيقة في معناها التكويني من خلال تحقق البعد الالهي للحقيقة في العقل بعد ان يتجرد عن مادية التفكير، ولعل مطلق هذا العلم يتجلى في قيم العصمة حيث تمثل استيعابا كليا لحركة الوجود، وبالتالي فأن العقل المعصوم يصبح وعاء لحقيقة الحقيقة، فالعقل المعصوم تتجلى فيه حقيقة (حق اليقين) باعتبار انه تجاوز في معرفته (علم اليقين وعين اليقين) وبإعتبار أن: علم اليقين: هو العلم الظاهري بالشيء من خلال حصول مظاهر تدل عليه وإن لم نره باعيننا ولكن نرى ما يدل عليه عقلا. عين اليقين: هو المشاهدة العينية للظاهرة اذا اقتربنا منا وصارت ظاهرة للابصار. وأما حق اليقين: هو الادراك العقلي للحقيقة من خلال المعايشة والتماس بها ووعيها وعياً إدراكياً يثل مطلق الادراك بما لا تستشعره الحواس ولا يدركه العقل المادي. يقول الحق سبحانه وتعالى: " إن في خلق السماوات والارض وإختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من ماء فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريح والسحاب المسخر بين السماء والارض لأيات لقوم يعقلون " (2). إن إدراك حقيقة الخلق وأسبابه وما يجري فيه موقوف على العقل، فهو برهان على حقيقة الخالق وفي الاية تخصيص حيث ان هذه الادلة ليست لكل الناس ولكن (لقوم يعقلون) والقوم في اللغة قد لا يتجاوزون بضعة اشخاص، والتخصيص معناه حصر المعرفة وخاصة اصولها في مجموعة من البشر، ولو بحثنا في طبيعة الخصوص لوجدنا النبي الخاتم والامام علي عليهما السلام هما خاصة الخاصة في هذا الامر. يقول الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله: " إنا معاشر الانبياء نكلم الناس على قدر عقولهم " (3). ويقول الامام علي عليه السلام: " إن الله تبارك وتعالى يحاسب الناس على قدر عقولهم في دار الدنيا " (4). ويقول الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام: " أن لله على الناس حجتين، حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والانبياء والائمة (عليهم السلام)، وأما الباطنة فالعقول " (5). هنا نجد ان الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله لم يقل نخاطب الناس على قدر اعمارهم ولا قوتهم ولا ما يملكون من مال وبنين ولكنه قال: (على قدر عقولهم) باعتبار ان حقيقة العقل حقيقة عليا تتجاوز دنيوية المادة والشهوة لترتقي الى عوالم الادراك المعرفي والتكويني. وهو ذات ما قاله وعناه الامامين امير المؤمنين وعلي الرضا عليهما السلام. في الحديث القدسي الشريف يخاطب الله العقل فيقول: " إياك أعاقب وإياك أثيب " (6). بمعنى ان العقاب والثواب سيكون من خلال مدارك العقل ومعارفها بالحقيقة الالهية. نجد ان في كل الادلة السابقة من الكتاب العزيز والسنة المطهرة أن الخطاب موجة للعقل باعتباره غاية الادراك الواعي للحقيقة، بل ان حقيقة العقل تمثل القيمة العليا للحقيقة، فالله عزوجل حقيقة مطلقة لا تدركة الابصار ولا يمكن ان تتعرف عليه الحواس وهو حقيقة لا يمكن تمثيلها وتشبيهها، وإدراك العقل المعصوم لها يكشف قيمة هذا العقل، من هنا ندرك حقيقة ما يرمي اليه قول الرسول الخاتم (صلوات الله عليه وآله) مخاطبا الامام علي عليه السلام: " ياعلي: لا يعرف الله إلا أنا وأنت، ولا يعرفني، إلا الله وأنت، ولا يعرفك إلا الله وأنا " (7). فالمعرفة لا تكون الا عن عقل، وكلما كان ما مطلوب معرفته يتجاوز حدود الادراك الحسي وجب ان تكون حدود الادراك العقلي للواعي تتناسب طرديا وما مطلوب ادراكه، مما يعني ان ادراك حالة بسيطة لا يحتاج الى مستويات عالية من الوعي الادراكي، ولكن الوعي بحقيقة الله يحتاج الى عقل إدراكي يتناسب وتلك الحقيقة، فادراك عقل الامام علي عليه السلام للحقيقة الالهية انما تمثل وعيا مطلقا بها فهي موازية لمعرفة النبي الخاتم صلوات الله عليه وآله بحقيقة الخالق وعيا يكون من خلال الوعي بحقيقة الحقيقة. وأما إشارة النبي صلوات الله عليه وآله أن من عرف محمداً وعلياً كمعرفة الله لهما فقد عرف الله كما عرفاه، فلما كان الاول ممتنعاً (أي ان يكون هناك من عرف محمدا وعليا عليهما وآلهما الصلاة والسلام كمعرفة الله لهما) فالثاني كذلك (أي ان يكون هناك من يعرف الله كما عرفه محمد وعلي عليهما وآلهما الصلاة والسلام)، ومثال ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى لكليمه موسى عليه السلام: " لن تراني ولكن أنظر الى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني " (. فامتناع الرؤية يقابل امتناع المعرفة لغير الرسول الخاتم والامام علي عليهما الصلاة والسلام وآلهما. فلو كانت الرؤية ممكنة لكانت المعرفة كذلك، ومن هنا ندرك الاختصاص بالمعرفة التي خص الله بها محمدا وعلي عليهما السلام باعتبارها تتجاوز المعرفة العينية الى المعرفة اليقينية. (9). وأما الاسماء والصفات الالهية، فقد عجز المفسرون في تفسير معنى لفظ الجلالة (الله) وقد كان الحق تعالى قد قدم لنا بعضا من هذه المعاني الادراكية لمعرفة الابعاد اللامتناهية للفظ الجلالة (الله) فقال في كتابه العزيز: " هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم* الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم * " (10). فالله الاله إسم له حقيقته تتجلى فيه معانٍ غير الله الملك الذي له هو الاخر حقيقته، وهذه غير الله القدوس وتلك غير الله المهيمن وكل له حقيقته، وإن كانت كلها تعنى الله الاله الواحد كما في قوله في سورة الاخلاص فهو الله الاحد الله الصمد، وهذه معان وصفاة لتتكرس حقيقتها كلها في لفظ الجلالة (الله) الذي لا يدرك حقيقة حقيته إلا عقل نبي مرسل أو وصي مختار أو ملك مقرب، ومن هنا كان الاصطفاء في قوله: " إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم * ". (11). فالاصطفاء هنا إنما هو اصطفاء للعقول في إدراكها للحقيقة الالهية مما يعني إدراك يوجب القيمة العليا للطاعة فهؤلاء المصطفون هم المثل الاعلى للمعرفة كما هم يمثلون حقيقة الطاعة التي فرضها الله على عباده. وهذا كله لا يكون إلا عن عقل معرفي يعي الحقيقة ظاهرها وباطنها.العقل بين الظاهراتية والمعرفة: إن محاولة بعض الفلاسفة الغربيين حصر العقل بالظاهراتية (12) إنما هي نتاج لعدم إدراك حقيقة العقل ولحصر الفكرة في مفهوم مادي في حين ان العقل يمثل جوهر الحقيقة وهو حقيقة المعرفة، وهنا يقول الفيض الكاشاني: " العقل جوهر ملكوتي نوراني خلقه الله من نور عظمته وبه اقام السماوات والارضين وما فيهن وما بينهن من الخيراتن ولاجله البس الجميع نور الوجودن وبواسطته فتح ابواب الكرم والجودن ولولاه لكنا جميعا في ظلمة العدم، ولأغلقت دوننا ابواب النعم، وهو بعينه نور نبينا محمد (صلوات الله عليه وآله) وروحه التي تشعبت منها انوار اوصايه المعصومين وارواح الانبياء والمرسلين، ثم خلق من شعاعها أرواح شيعتهم من الاولين والاخرين " (13). فالاصل ان العقل جزء من عالم الملكوت وما جوده في عالم الوجود إلا لمقاربته لحواسنا وتفسيره لها ولندرك بشكله المادي حقائق عالم الوجود كما ذكرنا سابقاً، ولكن مظهره الروحي والملكوتي هو الذي يفسر العلاقات الكونية وارتباط الانسان بالخالق، ولاجل ذلك كانت العوالم في البدء ثلاث: عالم عقلي وروحاني، وعالم خيالي ومثالي، وعالم حسي وجسماني (وجودي). ويمكن تفسير نور العقل في عالم الملكوت بنور الشمس في عالم الوجود فكما ان عين البصر تدرك بنور الشمس المحسوسات في هذا العالم (عالم الشهادة او عالم الوجود) فكذلك عين البصيرة تدرك بنور العقل المعقولات في عالم الملكوت ولولاه لما ادركت شيئا. ومن هنا قال الامام علي عليه السلام: " رأيت العقل عقلين: مطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذا لم يكن مطبوع كما لا تنفع ضوء الشمس وضوء العين ممنوع ولكل منهما درجات ومراتب، فكامل وأكمل وناقص وأنقص " (14). ولاجل ذلك لا يمكن حصر العقل بموقف الظاهراتية لاعتبار ان اصله خارج الحواس المادية وهو من يفسر نتائجها وليس العكس مما ينفي كونه ظاهرة ويؤكد حقيقته.حقيقة معاجز الامام علي (ع): إذا كانت المعجزة تعني فعل ما يعجز العقل المادي والحسي عن ادراك كنهه وتفسير معناه لانه يخالف القوانين الطبيعية (الفيزيائية) فانها (المعجزة) بالنسبة للنبي والرسول واوصيائهم لا تعتبر عملاً خارقاً لانها جزء من مداركهم لحقيقة التكوين والوجود، فالمكان والزمان عند الخالق مثل النقطة في معية الوجود كيف لا و(السماوات مطويات بيمينه) وهو القائل : " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ". (15). فمفتاح المعجزة هو سر الحقيقة (الاسم العظم) فكل حرف منه يفتح بابا لعلم الهي، ولا يمكن معرفة هذا الحرف الا بعلم لدني يفتح أمراً على أمرٍ، وإذا أردنا تقريبها الى العقل المادي فنقول: " أن لكل باب من المعرفة معادلة رياضية عليا لا يدركها الا عقل وعى الحقيقة فيفتح بها بابا الى علم آخر تكون نتائجه ما نسمية بالمعجزة وانما هي علم من العلوم العليا والتي هي معرفة حقيقة الحقيقة التي اشرنا اليها سابقا ". (16). في خاتمة هذا الايجاز فان إدراك الحقيقة في عقل الامام علي عليه السلام إنما هو من تلك المعارف التي فتحها له الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله حين فتح له الف باب من العلم كل باب ينفتح على الف باب فهل تبقى ثمة اسرار تحجب عن العقل المعصوم؟ إذا تيقنا بان كل هذه العلوم هي من العلوم الالهية فان العلوم والمعارف المادية لا تصبح لها قيمة امام حقيقة العقل عند الامام علي عليه السلام. ............................... 1- العنكبوت/64. 2- البقرة/164. 3- بحار الانوار: 1/106 عن المحاسن للبرقي. 4- بحار الانوار:1/106 عن معاني الاخبار. 5- الكافي: ( 1/16). والحجة هي الدليل والبرهان على الحقيقة والالزام. 6- الكافي: 1/10، كلمة الله: 165. 7- راجع: مشارق انوار اليقين للحافظ البرسي، رجب بن محمد رجب (ت 813 هـ). 8- الاعراف: 134 . راجع المصدر السابق: 302-303. 9- وهو شبيه لما قاله الامام علي بن الحسين (زين العابدين) عليه السلام في قضية علم سلمان المحمدي وابو ذر رضي الله عنهما: " والله لو علم ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله، وقد أخا رسول الله بينهما، إن علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل، وإنما صار سلمان من العلماء لانه منا أهل البيت فلذلك نسبته للعلماء ". راجع الفيض الكاشاني، الحقايق في محاسن الاخلاق: ط/2 (1399هـ-1979م)، ص/12. 10- الحشر: 22-24. 11- آل همران: 33-34. 12- الظاهراتية (الفينومينولوجيا): وهي فلسفلة تدعو الى الاعتماد على التفسير الحسي (الخبرة) الحسية للظواهر ويعتبر (ادموند هوسلر) مؤسس مدرسة الظاهراتية في الفلسفة الاوربية، وكان قد ناقشها كل من (كانت، هيجل وسارتر) وغيرهم، راجع البياتي، أ.د. وليد سعيد، فلسفة التاريخ: 2/213. 13- رجع قرة العين في المعارف والحكم: 352. 14- المصدر السابق: 354. 15- لقمان: 28. 16- راجع: مدرارك الابصار في معرفة الاسرار وهي رسالة عرفانية للمؤلف: 116.
| |
|